دعا الملك محمد السادس المغاربة إلى التعبئة القوية واليقظة المستمرة والتحرك الفعال، على الصعيدين الداخلي والخارجي، للتصدي لأعداء الوطن أينما كانوا وللأساليب غير المشروعة التي ينهجونها، مذكرا بأن قضية الصحراء واجهت خلال سنة 2013، تحديات كبيرة،» تمكنا من رفعها بفضل قوة موقفنا وعدالة قضيتنا». وأهاب الملك في الخطاب السامي الذي ألقاه الجمعة الماضية بمجلس النواب لدى ترأسه افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية التاسعة، بالحكومة والبرلمان، لتفعيل المقتضيات الخاصة بالجهة والجماعات الترابية الأخرى، والإسراع بإقرار النصوص القانونية المتعلقة بها. وأضاف «وبموازاة ذلك، فإن الحكومة مطالبة بالإسراع باعتماد ميثاق اللاتمركز الإداري، ما دام الأمر يدخل ضمن اختصاصاتها، ولا يستلزم إلا إرادتها الخاصة». وتابع الملك وفي نفس السياق، ندعو لإخراج النظام الخاص بالمعارضة البرلمانية، لتمكينها من النهوض بمهامها، في مراقبة العمل الحكومي، والقيام بالنقد البناء، وتقديم الاقتراحات والبدائل الواقعية، بما يخدم المصالح العليا للوطن. مدينة الدارالبيضاء حظيت بحصة وافرة من خطاب الملك حيث قال «واعتبارا لمكانة الدارالبيضاء كقاطرة للتنمية الاقتصادية، فإن هناك إرادة قوية لجعلها قطبا ماليا دوليا». قبل أن يستدرك متأسفا بالقول «غير أن الدارالبيضاء لا تجتمع فيها مع الأسف كل المؤهلات رغم المجهودات الكبيرة على مستوى التجهيز» وخلص الملك إخيرا إلى القول «بكلمة واحدة فالمشكل الذي تعاني منه العاصمة الاقتصادية يتعلق بالأساس بضعف الحكامة». وبالعودة لتفاصيل الخطاب فقد قال الملك إن قضية الصحراء واجهت خلال هذه السنة، تحديات كبيرة، تمكنا من رفعها، بفضل قوة موقفنا، وعدالة قضيتنا. غير أنه لا ينبغي الاكتفاء بكسب هذه المعركة والإفراط في التفاؤل. «فقد لاحظنا بعض الاختلالات، في التعامل مع قضيتنا المصيرية الأولى، رغم التحركات الجادة التي يقوم بها بعض البرلمانيين .إلا أنها تظل غير كافية. وهو ما من شأنه تشجيع خصومنا على الرفع من مستوى مناوراتهم لإلحاق الضرر ببلدنا». وأوضح ملك البلاد أن أغلب الفاعلين لا يتعبؤون بقوة ،إلا إذا كان هناك خطر محدق يهدد وحدتنا الترابية، وكأنهم ينتظرون الإشارة للقيام بأي تحرك، مؤكدا أنه بدل انتظار هجومات الخصوم للرد عليها، يتعين إجبارهم على الدفاع، وذلك من خلال الأخذ بزمام الأمور واستباق الأحداث والتفاعل الإيجابي معها. أما عن الشأن التشريعي والبرلماني فقال الملك «إن تطور المسار المؤسسي ببلادنا، يقوم على التجديد المستمر، واستثمار التراكمات الإيجابية للممارسة النيابية، على الصعيدين الوطني والمحلي، باعتبارهما مسارين متكاملين: أولهما الانتداب البرلماني، بما هو تمثيل للأمة، ومهمة وطنية كبرى، وليس ريعا سياسيا. فعليكم أن تستشعروا جسامة هذه الأمانة العظمى، التي تستوجب التفاني ونكران الذات، والتحلي بروح الوطنية الصادقة، والمسؤولية العالية في النهوض بمهامكم. ولا يخفى عليكم أن الولاية التشريعية الحالية، تعد ولاية تأسيسية، لوجوب إقرار جميع القوانين التنظيمية خلالها».وأوصى العاهل المغربي البرلمانين بضرورة اعتماد روح التوافق الوطني، ونفس المنهجية التشاركية الواسعة، التي ميزت إعداد الدستور، خلال بلورة وإقرار هذه القوانين التنظيمية. كما دعاهم لتحمل مسؤولياتهم كاملة، في القيام بالمهام التشريعية، «لأن ما يهمنا، ليس فقط عدد القوانين، التي تتم المصادقة عليها، بل الأهم من ذلك هو الجودة التشريعية لهذه القوانين.» وشدد محمد السادس على «ضرورة اعتماد الحوار البناء، والتعاون الوثيق والمتوازن، بين البرلمان والحكومة، في إطار احترام مبدأ فصل السلط، بما يضمن ممارسة سياسية سليمة، تقوم على النجاعة والتناسق، والاستقرار المؤسسي، بعيدا عن تحويل قبة البرلمان إلى حلبة للمصارعة السياسوية.» وعن الدارالبيضاء مرة أخرى قال الملك «إن تحويل الدارالبيضاء إلى قطب مالي دولي يتطلب، أولا وقبل كل شيء، يتطلب توفير البنيات التحتية والخدماتية بمواصفات عالمية، وترسيخ قواعد الحكامة الجيدة، وإيجاد إطار قانوني ملائم وتكوين موارد بشرية ذات مؤهلات عالية والاستثمار، وخاصة ما يتعلق منها بالتأهيل الحضري.» متسائلا بالقول «هل يعقل أن تظل الدارالبيضاء فضاء للتناقضات الكبرى إلى الحد الذي قد يجعلها من أضعف النماذج في مجال التدبير الترابي؟ فالدارالبيضاء هي مدينة التفاوتات الاجتماعية الصارخة، حيث تتعايش الفئات الغنية مع الطبقات الفقيرة. وهي مدينة الأبراج العالية وأحياء الصفيح. وهي مركز المال والأعمال والبؤس والبطالة وغيرها، فضلا عن النفايات والأوساخ التي تلوث بياضها وتشوه سمعتها». وعن أسباب أزمة الدارالبيضاء فقد عددها الملك بضعف نجاعة تدخلات بعض المصالح الإقليمية والجهوية لمختلف القطاعات الوزارية، وسجل وجود أسلوب التدبير المعتمد من قبل المجالس المنتخبة، التي تعاقبت على تسييرها والصراعات العقيمة بين مكوناتها، وكثرة مهام أعضائها، وازدواج المسؤوليات رغم وجود بعض المنتخبين الذين يتمتعون بالكفاءة والإرادة الحسنة والغيرة على مدينتهم. وهو الوضع المعقد حسب الخطاب الملكي الذي يتطلب «تشخيصا عاجلا، يحدد أسباب الداء، وسبل الدواء. ذلك أن تقدم المدن لا يقاس فقط بعلو أبراجها، وفساحة شوارعها، وإنما يكمن بالأساس، في توفير بنيتها التحتية، ومرافقها العمومية، وجودة نمط العيش بها».