عندما أعلن وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي خيانته لقائده الاعلى والاستيلاء على السلطة في مصر طُرح السؤال الجوهري التالي: هل ينجح الانقلابيون في تثبيت أوتادهم؟ لكن مع استمرار المظاهرات المناصرة للديمقراطية والمناوئة لحكم العسكر ما لبث ان تفرع عن السؤال الجوهري أسئلة اخرى: ما ثمن الانقلاب سياسيا واقتصاديا؟؟ هل ينتصر الاحتجاج السلمي على رصاص الانقلابيين؟؟ هل تعود الشرعية لمسارها ام ان الغلبة للدبابة والمعتقل؟ الى اي مدى يصمد الثوار في وجه العسكر، والعكس؟ المشهد الحالي في مصر سائل جدا، لم يأخذ بعد شكلا يمكن البناء عليه للقول ان الامور حسمت لهذا الطرف اوذاك..لكن المتتبع للاحداث اليومية منذ اعلان الانقلاب على اختيار الشعب يمكنه رصد مجموعة مؤشرات دالة على السيناريوهات المحتملة.. مؤشرات دالة 1 خسارة سياسية دوليا: حتى الآن لا تحظى سلطة الأمر الواقع باعتراف دولي حقيقي، باستثناء من دبر أو ساعد أو بارك الانقلاب من دول الخليج والأردن والولايات المتحدة وكيان الاحتلال الصهيوني والسلطة الفلسطينية في رام الله (سلطة على الورق)، فيما علق الاتحاد الإفريقي عضوية مصر بعد الانقلاب على الديمقراطية، وتلاه إسقاط الاتحاد البرلماني الدولي عضوية مصر فيه لعدم وجود مؤسسة تشريعية عاملة فيها بعد أن تم حل مجلس الشورى في يوليوز الماضي بقرار من الانقلابيين.. وأكبر دليل على خسارة الانقلاب امام العالم سياسيا ما وقع من فضيحة خلال اجتماع الجمعية العامة للامم المتحدة، حيث هرب عدلي منصور رئيس الجمهورية المُعين من السفر إلى أي دولة خارج نطاق الدول المعترفة بالانقلاب، وأعلن وائل الأبراشي (الإعلامي الرسمي للعسكر) عن سبب عدم سفره وهو أن دول العالم ستعترض على وجوده وسيتم طرده من الأممالمتحده بصفته رئيس انقلاب عسكري وستكون فضيحة عالمية. ثم ندب وزير خارجيته لإلقاء كلمة مصر في الأممالمتحدة.. وأثناء كلمته، كانت الفضيحة مدوية، إذ أظهرت الكاميرات القاعة شبه فارغة تماما من الحضور ما عدا بعض الوفود .. 2 خسارة اقتصادية غير مسبوقة: انسحاب عشرات الشركات العالمية من مصر بعد الانقلاب واقفال ابواب الاف المقاولات المصرية وارتفاع جنوني في اسعارالغاز والمواد الاساسية وتراجع حاد في البورصة المصرية وهروب رؤوس الاموال الاجنبية وعجز تجاري غير مسبوق وتراجع السياحة بنسبة تتجاوز خمسة وثمانين في المائة( حسب وزير السياحة في حكومة الانقلاب نفسه) وبالتالي اغلاق عدد كبير من الفنادق ابوابه وتسريح العمال..كما تراجعت تحويلات الجالية المصرية في الخارج بنسبة كبيرة جدا (وهي اساسية في ادخال العملة الصعبة).. ولعل أزمة الكهرباء كانت من أبرز المشكلات التي قامت وسائل الاعلام بشحن المواطنين ضد حكم الرئيس الشرعي من خلالها، إلا أن ازمة الكهرباء لم يستطع الانقلابيون حلها وعلى الرغم من فرض حظر التجول منذ قرابة الشهرين وهو ما ادى الى خفض معدلات استخدام الكهرباء في المصانع والمتاجر وبالتالي توفير جزء كبير من الاستهلاك، إلا أن الأزمة عادت من جديد وعاد انقطاع الكهرباء عن المنازل لعدة ساعات يوميًا والانقلاب فشل في توفير الكهرباء. فيما تعهدت بعض دول الخليج بامداد الانقلابيين بالمنتجات النفطية حتى نهاية هذا العام لعلها تخفف من الطغط الشعبي على سلطة العسكر.. 3 تآكل الانقلاب داخليا: حتى الان يبدو الانقلاب متماسكا على مستوى جبهته العسكرية(اي لا مؤشر على انقلاب عسكري ضد الانقلاب) لكنه بدأ يتآكل وسط حلفائه من المدنيين ممن ناصروه في البداية ثم اكتشفوا انهم غرر بهم..وابزهم محمد البرادعي الذي كان نائبا ل»رئيس» الجمهورية المعين.. والان بدأ «الاسد» (اي العسكر) ياكل ابناءه ويعتقل شبابا خرجوا معه في 30 يونيو..فصارت القسمة: ان لم تكن معي فانت خائن تستحق الاعتقال وربما التصفية الجسدية مثلما وقع من طعن بالسكين للمتحدث السابق لجبهة «الانقاذ» الموالية للعسكر.. 4 صمود رافضي الانقلاب: رغم البطش وقسوة العسكر وزبانية الداخلية وعصابات المجرمين المساعدة لهم، لم تتراجع وتيرة وكثافة المظاهرات السلمية الرافضة للانقلاب..اكثر من ثلاثة اشهر والمسيرات تخرج يوميا في اغلب محافظات مصر بما فيها العاصمة..بل ان المسيرات صارت تضم فئات اوسع من الشعب ومن الشباب تحديدا ومن ايديولوجيات تكون متناقضة احيانا، لكن رفض حكم العسكر جمعهم..والحشود الهائلة في ذكرى حرب 6 اكتوبر اثبتت ذلك.. سيناريوهات محتملة في واقع متحرك، يصعب توقع النهايات،خاصة في السياسة.. غير ان المؤشرات التي رصدناها سالفا (وهي لا تشمل كل المشهد) يمكن بناء عليها التنبؤ بثلاثة سيناريوهات في المشهد المصري: 1 نجاح الانقلاب: من خلال مراجعة سريعة لاحداث القرن العشرين، يتبين ان الانقلابات نجحت في كثير من دول افريقيا وامريكا الجنوبية.لكنها لم تنجح ابدا في البقاء. فسرعان ما نضجت الشعوب وتحررت من قبضة العسكر. اما في القرن الواحد والعشرين فلم تعد لغة الانقلابات دارجة في العالم سوى ما يحدث الان في مصر وما حدث في موريتانيا وفنزويلا (انتهت سريعا الاولى بانتخابات والثانية بعودة الشرعية). ويبدو أن الواقع في مصر أكثر تعقيدا لِمَا للعسكر من مكانة في السياسة والاقتصاد منذ ستين عاما..ينضاف اليه مد ادرعه في الاعلام ليصبح صانعا للرأي العام وفق مصالح قيادته المتنفذة..وقد نجح الى حد ما(اعلاميا) في تضليل الكثيرين وقد ينجح في تحويل مصر، بعد عام من الديمقراطية، الى دولة علمانية يحكمها العسكر بيد من حديد..وهذا السيناريو غير مستبعد في حال تراجع الثوار مقابل هَبَّة اقليمية ودولية(ستكون مكلفة) لانقاذ الانقلاب بضخ عشرات المليارات من الدولارات والاعتراف الواضح بسلطته ، يرافق ذلك مزيد القمع والقتل والاعتقالات داخليا لكل من يرفع الصوت..ولا يتم هذا التمكين للعسكر الا من خلال تعطيل الآلة الانتخابية لسنوات بحجة عدم الاستقرار ومحاربة «الارهاب».. أو من خلال اجراء انتخابات(غير نزيهة بالتاكيد) يكون فيها السيسي اللاعب الوحيد رئيسا للجمهورية حتى يحمي نفسه ومن تورطوا معه من المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى..وهذا المسار لن يطول اكثر من بضع سنوات على كل حال.. 2 فشل الانقلاب: مؤشرات الخسائر الكبيرة المشار اليها إعلاه عامل مهم في انكسار الانقلاب، لأن المصريين لن يصبروا طويلا على الازمة في كل شيء، حتى لقمة العيش.. وسيتولد عن ذلك موجة ثورية اكبر مما هو عليه الواقع حاليا.. غير ان فشل الانقلاب لا يعني بالضرورة عودة الرئيس مرسي الى الحكم (رغم ان هذا وارد في اطار تفاوض سياسي)، لكن المرجح ان يفشل الاستفتاء على دستور مجموعة الخمسين المعينة او قد تتفجر هذه المجموعة من الداخل بسبب الخلافات، وبالتالي يمكن العودة الى دستور 2012 تحت ضغط الشارع، وربما اعادة مجلس الشورى المنتخب خاصة ان قائد الانقلاب لم يعلن في خطته الانقلابية عن حل هذه المؤسسة الانتخابية..لكن جاء ذلك في محاولة للانقضاض على كل مكتسبات ثورة 25 يناير.. وفي حال افشال الانقلاب تماما، فان قادته سيكونون امام خيارين :اما الهروب او مواجهة المحاكمات.. وفي حال هروبهم سيتابعون امام القضاء الدولي بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ابادة وجرائم ضد الانسانية.. 3 إنهاء الانقلاب عبر عملية سياسية جديدة: يأتي ذلك إذا افلحت ثورة الشعب المستمرة في إرهاق الانقلابيين، وفرض اللجوء إلى حل سياسي تفاوضي بضمانات تكفل استئناف العملية الديمقراطية دون وجود العسكر فيها. هذا السيناريو رغم انه مرجح بشدة لكنه محاط بكثير من الشكوك؛ ذلك لان عودة المسار الديمقراطي لن يتم ابدا في ظل حكم العسكرالقائم الان وفي ظل التحريض على اهم فصيل سياسي في مصر.. فلا بد من شرط تراجع سلطات الانقلاب عن كل السياسات القمعية البوليسية بالكامل، واتخاذ إجراءات لبناء الثقة، قبل بدء الحوار. لانه لا يمكن أن يتحاور طرف ممسك بالسلاح، مع طرف آخر مغيب في السجون.. إن أهم شروط الحل السياسي، حسب الكاتب والمفكرالمصري القبطي رفيق حبيب ، أنه لا يقوم على أي أوضاع فرضها الانقلاب العسكري، حتى لا يصبح لهذا الانقلاب أي شرعية..