إن مظهر التعامل مع المسن هو جزء من العلاقة أو التعامل الكلي داخل الأسرة، فحينما تكون هذه العلاقة مبنية على أسس التراحم والمحبة التي بني الإسلام عليها ومؤسسة على استيفاء الحقوق والحرص على أن ينال كل فرد حقه كاملا، فإن ذلك ينعكس على مجمل العلاقات بين الأسرة. وكما أن الأبناء يعقون آباءهم ويهملون كبارهم، فإن الكبار فيما بينهم يعيشون حالة من الأنانية الدائمة تؤثر على سلوك الأبناء وتجعلهم يفهمون أن الأسرة دائرة صغيرة للصراع من أجل استيفاء الحقوق وهذا هو الأصل الذي تنشأ عنه كل الاختلالات. وحينما نرى بعض الناس يهملون كبارهم فذلك لأنهم لا يدينون بالولاء للأسرة وللعلاقات التراحمية التي يؤسس لها الإسلام بين الصغير والكبير ولو من غير أسرته عملا بنظام الأباعد، لكن إذا أصبح الإنسان يعيش الذاتية والأنانية فإنه لا يولي اهتماما لأي طرف آخر ومن هنا تقع انعكاسات ذلك على العجزة، وهؤلاء يحسون بذلك بحكم ضعفهم ولكونهم لا يجدون حيلة للخروج من هذا الوضع ولا يجدون ملاذا إلا أن يحالوا على دور العجزة. هذه الدور كما هي موجودة الآن قد تكون مفيدة وضرورية حين لا يكون لبعض المسنين أسر أصلا، لأن بعضهم ينامون في الشوارع وتحت القناطر وفي أماكن متعددة. هؤلاء واقع لا ينبغي تجاهلهم ولا يجوز للمجتمع أن يتخلى عنهم ولمثلهم تعد دور العجزة، أما الذين لهم أهل وأقارب فإن إرجاعهم إلى بيوتهم يصبح ضرورة، لذلك على مؤسسات استقبال العجزة أن تتحرى بدقة عن وجود أقارب لهؤلاء فلا تستقبل من له أسرة يمكن أن تتحمله، خاصة أن بعض الأشخاص يريدون التخلص من كبار السن في عائلاتهم ليعيشوا حياتهم الخاصة، لذلك على هذه المؤسسات أن ترفض استقبال هذه الفئة لأن أقاربهم يجب أن يتحملوا مسؤولياتهم في رعايتهم لأن ذلك واجب شرعا وقانونا؛ شرعا لأن الولد مطالب بأن يتحمل والده وأمه والقانون لا يناقض الشرع في هذا الباب لذلك علينا أن نتخذ احتياطات كثيرة حتى لا تستفحل هذه الظاهرة ويصبح من السهل إحالة العجزة على دور المسنين. تمثل هذه الدور بالنسبة للأوربيين شيئا مرعبا لأنها تخضع للمتاجرة، فدار المسنين تحصل على أجرة الشخص المسن مقابل رعايته وإقامته ومأكله، لكنهم إذا وفروا له هذه الأشياء فإنهم لا يوفرون له الحميمية ولا يشعرونه بأنه يعيش داخل أسرة، وبالتالي يعيش معظم الأوروبيين حالة من الخوف والرعب من بلوغ سن الشيخوخة، بالمقابل نجد أن المجتمعات الإسلامية تحتضن الشخص المسن وتطلب منه الدعاء الصالح وتجعله يعيش سنين عمره الأخيرة في حالة من الرضا حتى يموت الشيخ فينا راضيا مطمئنا مسرورا. وحتى لا نصل إلى الوضع الذي آلت إليه الدول الغربية ينبغي التفكير بشمولية. مع الأسف أن السكن الذي نبنيه اليوم يتم على أساس الفردية وأن هذا البيت لا يأوي إلا زوج وزوجة وطفلين على أقصى تقدير، وهذا تصميم وتوجيه مجتمعي لكي لا يتقبل هذا الإنسان أمه وأباه إذا افترض أن يعيش أحدهما معه، فالبيوت التي تأوينا مصممة وفق ذهنية غربية ترى أن الأسرة النووية لا مكان للجدين فيها. من جهة أخرى، لابد من إشاعة ثقافة رفض التخلي عن مسؤولية الوالدين في كبرهما داخل المجتمع، حتى يجد من يمارس هذا السلوك نفسه منبوذا وملفوظا من المجتمع، وحتى إذا كان الإنسان لا يتحمل أبويه فإنه لا يتحمل نظرة المجتمع إليه، ثم لابد أن نعزز الثقافة الشرعية فالله عز وجل أوصى الأبناء بالآباء ورفع من شأنهما خصوصا، وجاء في السنة أن من بر الأبوين ودهما وود الأقارب مثل العم والعمة، فالأسر المسلمة هي أسر ممتدة ويجب أن نعود لهذا الامتداد حتى نتفادى آثار وتداعيات الأسر النووية التي يعيشها غيرنا.