أوصى المشاركون في الملتقى الأول لخريجي معهد البعث الإسلامي للعلوم الشرعية بوجدة، بدعم مؤسسات التعليم العتيق مادياً ومعنوياً وتطويرها لاستمرارها في أداء رسالتها، بما يتناسب مع مقتضيات العصر، واعتبار التعليم العتيق ليس ملجأ للهدر المدرسي أو التخلف عن المدرسة، وإنما هو إرادة وحاجة اجتماعية ملحة، كما أوصوا بعدم التردد في العناية به ودعمه وتطويره وتجديده حتى يستجيب لهذه الحاجات الاجتماعية المستجدة. جاء ذلك في ختام الملتقى الذي نظم تحت شعار «رسالة خريج التعليم العتيق وحضوره المجتمعي»، يومي الجمعة والسبت الماضيين بمقر مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية. وحسب الجهة المنظمة، اقترح المشاركون إحداث جائزة وطنية لفائدة المتميزين من خريجي التعليم العتيق تشرف عليها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وإنشاء لجنة تحضيرية لتأسيس موقع إلكتروني خاص بخريجي التعليم العتيق من أجل التواصل بينهم ونشر أبحاثهم ومقالاتهم، ودعوا وسائل الإعلام إلى التعريف بمؤسسات التعليم العتيق وخصوصياتها وأهدافها ومقاصدها، والعناية بالكتاتيب القرآنية باعتبارها رافدا أساسيا للتعليم العتيق مع تشجيع طلابه بالمنح الدراسية، وجوائز للمتفوقين. كما دعوا خريج التعليم العتيق إلى الانفتاح على قيم الحضارة المعاصرة في أبعادها الإنسانية، وقيم وحقوق الإنسان المنسجمة مع خصوصيته الدينية والوطنية والحضارية، وعلى إسهام خريج التعليم العتيق في التنمية المجتمعية بكل أبعادها وفي مختلف قطاعاتها، مع تميزه بالايجابية الدائمة والإنتاجية المستمرة. وثمن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في رسالة تلاها رمضان يحياوي، المبادرة وقال إن علم الدين يجب أن يصطحبه الفقه، مذكرا بمهمات الرسول صلى الله عليه وسلم وهي التلاوة والتزكية وتعليم العلم والحكمة. ونبهت الرسالة إلى خطورة استعمال العلم الشرعي من قبل البعض، مما قد يضر بمصداقية حاملي هذا العلم الذي يشترط في صاحبه ثلاثة خصال وهي: الالتزام والنموذجة وخدمة المجتمع. ومن جانبه، نوه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى الأستاذ محمد يسف في رسالته بالعلامة مصطفى بنحمزة وجهوده في العناية بالقرآن الكريم والنهوض بالعلوم الشرعية. بينما استهل مصطفى بنحمزة كلمته بالسياق الذي تأتي فيه هذه التظاهرة العلمية بعد الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ثورة الملك والشعب و الذي ركز على مشكل التعليم باعتباره ورشا ضخما يستدعي تضافر الجهود، مؤكدا أنه «لن يصلح أي جهاز في الدولة ما دام الخلل في التعليم». داعيا إلى وجوب الحديث عن التعليم في شموليته وفي استغراقه. مؤكدا أن التعليم العتيق جزء مهم يجب الانتباه إليه ورد الاعتبار له. واعتبر بنحمزة أن تجربة معهد البعث تجربة ناجحة خرجت على مدى 40 سنة عددا من الأطر بينهم أساتذة جامعيون ورؤساء مجالس علمية ومحاضرون بلغات أجنبية في أوروبا، يتميزون بالوسطية والسماحة و ولديهم رصيد مهم من المعرفة بالإسلام وليس مجرد الحماسة والعاطفة لأن الإسلام في أصله معرفة وهو يُنكر الجهل ويستغرب الأمية التي هي عقوبة مؤجلة للأمة، ولا ينبغي أن يكون عندنا أي أمي، يضيف المتحدث. و عرَج بنحمزة على الدور الريادي لمعاهد التعليم العتيق، مُشيرا أن كل من كان يريد شيئا بهذه الأمة، كان يستهدف هذه المعاهد. مشيرا إلى مثال نابليون بونابرت الذي قصف الأزهر وأعدم 13 أزهريا لما دخل مصر، والجنرال ليوطي في المغرب الذي عمل على لجم القرويين وتحجيم دوره حتى لا يخرج علماء كبار يوجهون الحياة أمثال المختار السوسي. وعرج المتحدث على دور بعض الساسة في دعم العلم الشرعي، أمثال أبي عنان المريني الذي زود القرويين بمكتبة ضخمة ومتنوعة. ونوه بنحمزة بدور الملك الراحل الحسن الثاني في إنشاء دار الحديث الحسنية وقال إنها أعطت الكثير للعلوم الشرعية، مضيفا أن ميثاق التربية والتكوين يفتح آفاقا مهمة أمام التعليم العتيق. وحث المتحدث في الأخير خريجي التعليم العتيق على تجنب الخلافات الفقهية والتركيز على البناء، قائلا: «شغلكم هو أن ترفعوا الأمة إلى مستوى الإسلام الحقيقي، فقد مضى على المعهد 40 سنة حافلة بالعطاء، والآن أنتم مسؤولون عن ال 40 سنة المقبلة». عن الملتقى وأهميته، قال عبد القادر بطار «إن العناية بالمعاهد الدينية والمدارس العلمية العتيقة والكتاتيب القرآنية هي في الحقيقة عناية بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله الكريم، وقد ظلت هذه المعاهد والمدارس حصونا منيعة للعقيدة الإسلامية الصحيحة، ومعقلا عتيدا للعلم والمعرفة، ومنتدى جامعا للفكر والثقافة، ومنبرا إشعاعيا للدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف عن المنكر. ومن هذه المؤسسات المهمة التي حفظت للناس دينهم ولغتهم وهويتهم «معهد البعث الإسلامي» بوجدة الذي يعتبر مركزا إشعاعيا أسهم ومازال يسهم في تخريج العلماء في العلوم الشرعية، وتربية الأجيال تربية إسلامية، ونشر العلم والمعرفة ومحاربة الجهل والأمية». يشار إلى أن تنظيم الملتقى يأتي بعد حوالي أربعة عقود على تأسيس معهد البعث الإسلامي للعلوم الشرعية، وتضمن البرنامج مائدتين مستديرتين تناولت الأولى موضوع «حضور خريج التعليم العتيق في البلدان غير الإسلامية»، والثانية تمحورت حول أهمية الوحدة المذهبية، أطرهما نخبة من خريجي معهد البعث الإسلامي للعلوم الشرعية بوجدة والمتواجدين حاليا بأوروبا.