تشكل شبكة الأنترنت أهم بنية تحتية لمجتمع الإعلام المتنامي. فهي بيئة إنسانية وتكنولوجية يتعامل فيها أفراد من جميع البلدان والثقافات واللغات، ومن جميع الأعمار والمهن. وتعد هذه البنية الرقمية، العابرة للحدود مجالا للتعبير والإبداع، وميدانا للأعمال والتجارة، وفضاء للحرية ليس له مثيل، حيث يمكن لكل مواطن أن يعبر من خلاله عن رأيه بحرية تامة. فالأنترنت اليوم هو وسيلة الاتصال الأكثر ديمقراطية في العالم. وقد أثارت التحولات السوسيو اقتصادية الناجمة عن استخدام هذا المجال "السيبرني" مخاوف جل الدول والحكومات، وانكبت على استشراف الوسائل الملائمة لاحتواء تأثيراته على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للحياة. ولمواجهة تنوع وتعقيد القضايا القانونية والأخلاقية التي يطرحها الأنترنت، تسلك الأنظمة الديمقراطية سياسات شديدة الحذر، تحسبا للعواقب المحتملة لاستراتيجياتها التنظيمية، ليس على حرية مواطنيها فحسب، بل وحتى على مصداقيتها. فسعت إلى وضع مقاربة جديدة تقوم على نقل مبادئ المجتمعات الديمقراطية إلى مجتمع الإعلام في عصر الأنترنت (حرية التعبير، تعدد الآراء، حماية الأطفال والمستهلكين، التنوع الثقافي، احترام المنافسة...). وتعتمد هذه المقاربة على فكرة إحداث آلية تنظيمية تمكن من ملاءمة مجموع القوانين والممارسات مع السياق الجديد لمجتمع الإعلام. إلا أن هذا التنظيم يطرح بدوره إشكالا عميقا: فهل سيكون تنظيم هذا القطاع ذا بعد سياسي محض، أم سيكون ذا بعد تقني صرف، أو هما معا؟ من هذا المنطلق نشأت ثلاث خيارات رئيسية: تنظيم الدولة: وهو النظام السياسي الذي تقوم فيه السلطات العمومية لوحدها بمهمة تنظيم القطاع، وهو ما لم تأخذ به معظم الديمقراطيات. التنظيم الذاتي: وهو النظام التقني الذي يقوم فيه الفاعلون و المهنيون الخواص لوحدهم بتنظيم شؤون القطاع، وهو النظام الذي تعمل به كندا. التنظيم المشترك: وهو نظام يمزج بين التقني والسياسي، يجمع بين ممثلي الدولة والفاعلين وجمعيات المستعملين للحوار والعمل على تنظيم القطاع، وقد أخذت بهذا النظام فرنسا. وهو مفهوم انبثق عن قمة نظمتها اليونيسكو حول الموضوع بباريس سنة 1999. ويمكن القول إن الديمقراطية الرقمية تندرج في سياق إشكالية دمقرطة الاتصال، وتهدف إلى تأمين وحماية حقوق الأفراد في الاستفادة من المجال "السيبرني" في مجتمع إعلامي أكثر حرية. حسن أولفقر