تعرف مدينة فاس، العاصمة العلمية للمملكة، انتشار العديد من المساجد، منها ما يعود إلى 12 قرنا مضى، ولعل هذا العمق التاريخي هو ما يجعل من مساجد فاس، كما هو الشأن بالنسبة لأغلب المدن المغربية القديمة، ذاكرة تاريخية للدولة المغربية. وعرف عن أهل فاس بتعلقهم كباقي سكان المغرب بالمساجد، وعلى طول تاريخهم شيدوا بيوت الله وعمروها بالصلاة والدعاء والرباط، وعبروا عن ذلك بأشكال مختلفة، وما يزال هذا التعلق واضحا إلى يومنا هذا. وتتميز مدينة فاس بمعالم أثرية تكشف الوجه العلمي والتراثي للمدينة، متجسدا في المساجد والأسواق والساحات العامة، وانتهاء بالبيوت والأحياء والأزياء والعادات، ويعتبر جامع القرويين من أكبر معالم المدينة، نظرا لأهميته ومكانته التي شهد بها العالم حتى قيل إن «المغرب هبة القرويين». ومدينة فاس في الأصل عبارة عن مدينتين، أنشأ أولاهما الأمير إدريس بن عبدالله الحسني عام 172ه، بينما أنشأ الثانية ابنه إدريس الثاني بن إدريس الأول عام 192ه، وسماها أولاً العالية قبل أن يغلب عليها اسم فاس. ثم بعد مرور الزمن واتساع البنيان وكثرة السكان اتصلت المدينتان لتصبحا مدينة واحدة ذات عَدْوتين (أي جانبين) عدوة الأندلسيين نسبة إلى جالية أندلسية سكنتها، وعدوة القرويين نسبة إلى جالية من أهل القيروان. وللمساجد مكانة عظيمة في الإسلام، ويبدو ذلك جليا من خلال آيات قرآنية كريمة وأحاديث نبوية شريفة، منها قوله تعالى، «وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً»، وأمره عز وجل بتعظيمه من رفع بنيانه وتعميره بالعبادة حيث قال تعالى، «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ»، وربط الله عز وجل بعمارة المساجد وقوة الإيمان، فقال عز وجل «إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ». ودلت السنة النبوية على الدور الكبير للمسجد، واتضح هذا من خلال البدء بتأسيسه وجعله من أوليات ما قام به صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة حيث كان محلا لكل مصلحة تخدم شؤون المسلمين، ومن الأمثلة على ذلك، «الترغيب في بنائه»، حيث قال صلى الله عليه وسلم، «من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله تعالى بنى الله له بيتا في الجنة»، رواه مسلم. ثم الترغيب في العبادة فيه ومدارسة العلم، حيث قال صلى الله عليه وسلم، «من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح»، متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم أيضا، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدراسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده. رواه مسلم. وكانت المساجد مسكنا لبعض المسلمين الذين لا يجدون مأوى كما هو شأن أهل الصفة، وقد ثبت في الصحيحين أن عبد الله بن عمر كان ينام فيه وهو شاب عزب، كما كانت المساجد محل استقبال الوفود التي تفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدعوهم ويعلمهم ويرشدهم.. هذا إضافة إلى حلق التعليم وغيرها التي كان المسجد وما يزال مكانا رحبا لها. ولازالت بعض مساجد المدينة تقوم بهذا الدور الذي ثبت أنها كانت تقوم به منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكما وقفت في رمضان الماضي مع مساجد مدينة مراكش، «التجديد» اختارت في رمضان هذه السنة، أن تعرف بمساجد مدينة فاس، موقعها وتاريخها ومكانتها العلمية بينه أهلها وزوارها من جل أنحاء المغرب والعالم. ولنا بعد هذا التقديم موعد غدا بحول الله مع أحد أشهر مساجد مدينة فاس، إنه مسجد القرويين.