نظمت محكمة النقض نهاية الأسبوع دورة تواصلية تحت عنوان «الخبر الإعلامي: حرية، مهنية ومسؤولية»، بحضور صحافين، قضاة، ممثلا عن لإدارة العامة للأمن الوطني، وممثلا عن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري. وخلص المشاركون في الدورة التواصلية الثانية إلى ضرورة تفعيل الحق في المعلومة على مستوى القانون، حتى يؤدي الإعلام الأدوار المنوطة به في مجتمع يؤمن بقيم الحرية والمواطنة والمسؤولية، وتطبيق السلطة القضائية للنصوص القانونية بشكل يراعي خصوصيات العمل الصحفي والإعلامي. وأكدت التوصيات على ضرورة توحيد الجهود من خلال خطة عمل إعلامية أمنية يشارك فيها رجال الأمن ونظرائهم من الإعلام تؤسس لمرحلة جديدة من التعامل الإعلامي مع قضايا النظام العام والجريمة وسط المجتمع، وتحدد مقاربة متطورة تقوم على التوعية السابقة لوقوع الفعل الإجرامي وكذا التوعية اللاحقة التي تحسس المواطنين بخطورة الجرائم والمس بالنظام العام، وصياغة خطة عمل في مجال الإعلام الأمني في مذكرة تفاهم أو من خلال لقاءات مشتركة بين الإعلام والأمن والقضاء، يتقرر بموجبها إسناد قضايا الإعلام الأمني أو التغطية الإعلامية للأحداث والوقائع الأمنية إلى أمنيين مؤهلين إعلاميا أو إعلاميين مؤهلين أمنيا. وفي كلمة له، أكد مصطفى فارس، الرئيس الأول لمحكمة النقض، أن الدورة الثانية التي تنظمتها محكمة النقض بمراكش، أكثر تخصصا من خلال تحليل التفاصيل والتدقيق في جزئيات الخبر الإعلامي في جوانبه القانونية والقضائية وتداعياته على حقوق أخرى لا تقل عنه أهمية كالحق في قرينة البراءة وعدم المساس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم أو التأثير على مجريات المحاكمة أو الإخلال بمجموعة من مقومات المجتمع ومؤسساته...، مما قد يحيد برسالة الإعلام الحقيقية عن مسارها والتي تعتبر بحق رسالة الشرف والكرامة ورصد الحقيقة ومواجهة الفساد ومكافحة الظلم كيفما كانت أشكاله وصوره -يضيف المتحدث نفسه-. من جانبه، قال عبد الرحيم مياد، رئيس غرفة بمحكمة الاستئناف بالرباط إن حرية التعبير تشكل أحد الأعمدة الأساسية للمجتمعات الديمقراطية حسب ما كرسته المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي نصت على انه:( لكل انسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والافكار وتلقيها ونقلها الى اخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب او مطبوع او في قالب فني او باية وسيلة اخرى يختارها ) وكدا المادة 10 من الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، فيما أكد جمال سرحان، الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بخريبكة أن الصحافة تستمد حقها في الحرية انطلاقا من حق الفرد والمجتمع في الحصول على الخبر الاعلامي ومعرفة ما يجري في مختلف المناحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى القضائية، مستدركا أن حرية الصحافة في نقلها للخبر الإعلامي للجمهور ليست مطلقة بل مقيدة بمجموعة من الضوابط القانونية التي أقرتها المواثيق الدولية نفسها.وأضاف «سرحان» أنه إذا كان قاضي التحقيق يعمل في صمت ويعتمد على عنصر الوقت والسرية لإظهار الحقيقة وتحقيق العدالة الجنائية، فإن الصحفي في بحثه عن الخبر الإعلامي والسبق الصحفي يسابق الزمن ويكسر الصمت لإعلان الخبر للرأي العام، وهو تناقض يؤدي أحيانا بالصحفي إلى الوقوع في أخطاء قانونية قاتلة في حالة عدم تحريه المصداقية والموضوعية والأمانة عند صياغة ونقل الخبر إما بنشره أنباء زائفة حول قضية معينة أو توجيهه السب والقذف في حق أطراف القضية أو مؤسسة التحقيق أوقاضي التحقيق نفسه، أو بنشره لوثائق الاتهام وخرق سرية التحقيق وما يترتب عن ذلك من مساس بحقوق الدفاع وقرينة البراءة. وبعنوان «مصالح الأمن ووسائل الإعلام نحو التكامل.. «، أوضح يوسف الشامي، ممثل الإدارة العامة للأمن الوطني أنه إذا كان الدور الوقائي والتوعية الأمنية من صميم عمل مصالح الأمن، فإنه يتعذر عليها النهوض بهذا الدور بمفردها وبمعزل عن إسهامات القطاعات الأخرى، نظرا لمحدودية وسائلها وإمكانياتها التي لا تخولها النفاذ إلى جميع الأشخاص واختراق كل البيوت، بخلاف وسائل الإعلام التي يمكنها تحقيق انتشار واسع للمعلومة بفضل ما تحققه من تفاعلية آنية بين المرسل والمتلقي. وأشار الشامي أنه غالبا ما اعتبر رجل الأمن أن المعالجة الإعلامية للجريمة يشوبها نوع من القصور لأنها تركز فقط على الطابع المشهدي والإخباري، الذي يعتمد على سرد الوقائع الأمنية وتصويرها بكيفية مثيرة تتجاوز أحيانا أبعادها الحقيقة، نتيجة إغراق بعض الإعلاميين في الإثارة وتضخيم الأحداث، وهو الأمر الذي كان يثير بعض الارتياب والتشكك لدى المواطن وبالتالي إشاعة نوع من الإحساس باللأمن.