إذا استطلعنا أهم الأهداف العامة للخدمة العمومية في دفاتر التحملات والمرتبطة بالتعدد اللغوي، سواء على مستوى تبني وإعمال قواعد الحكامة الجيدة وثقافة ربط المسؤولية بالمحاسبة، أو تدعيم قيم الديمقراطية أو تكافؤ الفرص والمشاركة أو حماية وتقوية اللغتين الوطنيتين الرسميتين العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات اللسانية والثقافية المغربية، أو المساهمة في تفعيل ترسيم اللغة الأمازيغية في المجال السمعي البصري، في إطار يحفظ الوحدة والتكامل والانسجام ويضمن التنوع والتعدد، فإننا ما زلنا بعيدين عن تحقيق هذه الأهداف في الوقت الراهن. بمعنى إذا كان الدستور ودفاتر التحملات الجديدة قد أنصفا اللغة الأمازيغية عموما وخاصة في محور الخدمة العمومية، فإن الإشكال ما زال مطروحا على مستوى التنفيذ أي على مستوى الجهات المخول لها ذلك. هناك إجحاف في حق الأمازيغية على مستوى الخدمة العمومية و يتجلى ذلك في: - مظاهر الاحتكار الذي تمارسه جهات معينة على الإعلام السمعي البصري العمومي، الحد من تلك الهيمنة التي تتناقض مع التنوع والتعدد الذي يطبع البلد في مجالات عديدة، سياسية وفكرية ولغوية وثقافية واجتماعية. أي أننا كنا نشكو من الوصاية السياسية في السابق، فإذا بنا الآن نشكو من وصاية جهات متنفذة لا علاقة لها بالسلطة الحكومية. - عدم وجود تغطية إعلامية لكافة مكونات المجتمع، وتكريس التوجهات الديمقراطية. فالخدمة العمومية تقتضي أن تعمل كمرفق عمومي محايد، منفتح على الآراء مهما كانت مخالفة أو مزعجة. نلاحظ غياب ذلك في الأخبار وفي برامج النقاش ونوعية الضيوف التي تحضرها، حيث تتكرر نفس الوجوه والأسماء في القناة الثامنة على غرار باقي القنوات. - الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، التي يتمثل دورها في السهر على احترام وسائل الإعلام ل'دفاتر التحملات' رغم كونها مكسبا هاما، إلا أنها ما زالت تعوزها الاستقلالية والفعالية إلى تحرير القنوات التلفزيونية، وضمان التنوع والتعدد المطلوبين، بفسح المجال للظهور الإعلامي أمام الجميع تحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص. مسؤولية «الهاكا» في كل هذا ما زالت مطالبة بالقيام بدورها الرقابي والتحكيمي باعتبارها حكما في حقل الإعلام، خصوصا لارتباط التنوع الإعلامي بالاستقرار. - عدم تخصيص نسب بث معقولة للغة الأمازيغية في القنوات العمومية، حرمان الأمازيغية من فترات الذروة، إذ يتم بث برامجها في أوقات لا تحظى بالأهمية. - الشكاوى المستمرة لبعض الجمعيات العاملة في الحقل الأمازيغي من تعامل إدارة القناة مع طلبات تغطية الأنشطة التي ترسلها إلى القناة الثامنة المتسم بالتهميش واللامبالاة، وهو ما يتنافى مع ضمان الحق في المعلومة وحق عموم المواطنين والمواطنات في تتبع أنشطة الجمعيات الأمازيغية وغيرها. على الرغم من السياق الوطني الذي يتسم بتصاعد انتظارات الشعب المغربي لإعلام عمومي مهني ومسؤول وتنافسي، إضافة إلى الإرادة السياسية الجماعية لتنزيل ديمقراطي وتشاركي للدستور يستجيب لتطلعه في مجال التعدد اللغوي على الخصوص.