قبل سنتين ونتيجة الدينامية الاجتماعية والسياسية التي عرفها المغرب وضع تعاقد دستوري جديد ميزته الاساسية التأسيس لعقيدة دستورية جديدة، من اهم اركانها عقيدة التشاركية والتي يؤسس لها النص الدستوري في تصديره وأكثر من ثمانية عشر فصلا يسهب من خلالها في تحديد مستويات التشاركية والتزامات المؤسسات العمومية بإعمال قواعد التشاركية وقواعد احداث هيئات الديموقراطية التشاركية واليات المساهمة المدنية في المبادرة التشريعية من خلال الفصل 14 المتعلق بتقديم ملتمسات التشريع واليات المساهمة المدنية في الرقابة على السياسات العمومية صياغة وتنفيذا وتقييما من خلال الفصل 15 المتعلق بتقديم العرائض وتقوية ادوار المجتمعات المدنية المحلية الى جانب المجالس المنتخبة من خلال الفصل 13 والفصل 139 والفصل 146 المتعلقة بإحداث هيئات التشاور على صعيد المؤسسات العمومية والمجالس الجماعية والتنصيص على الحق في طلب ادراج نقط في جداول اعمال دورات المجالس الجماعية. هذا التنصيص الدستوري على عقيدة التشاركية يستوجب من مختلف مكونات المجموعة الوطنية تحويل هذه القواعد الدستورية الى ثقافة سائدة تحكم سلوكاتهم، فثقافة التشاركية التي وضعها الدستور تتجاوز الاشكال التقليدية لإشراك المواطنين من منطق فوقي يحدد مستويات الاشراك او في مستوى التلقي او الاستشارة او المشاركة. ان الفرق الجوهري بين الاشكال التقليدية للإشراك والتلقي والاستشارة والمشاركة من جهة والتشارك من جهة ثانية هو اساسا طبيعة العلاقة بين الاطراف ففي الأشكال الاولى تكون العلاقات علاقات تنازلية يتحكم فيها الاخرون في مستويات تدخل المعنيين المباشرين، هل هي مجرد اعطاء رأي او مساهمة مادية او عينية او تقديم معطيات وأفكار او تخويل مهام محددة، ولكن في التشارك تكون العلاقة تفاعلية بين جميع المعنيين سواء كانوا مواطنين او سلطات عمومية ويكون الجميع مساهما في صناعة القرار، ان التشارك مدخل من مداخل تفكيك المركزية وصناعة برامج تفاعلية مع كل الاطراف المتدخلة في موضوع معين. ان التشارك الذي يؤسس له الدستور هو شكل من اشكال تقاسم السلطة بين مختلف مكونات المجموعة الوطنية او المجموعة المعنية بقضية معينة في ظرف محدد لاتخاذ المبادرة وصناعة القرارات واختيار الحلول المناسبة وتنفيذها، انه اعتراف دستوري بفاعلية المواطنين ومجموعاتهم. لكن تنزيل هذه العقيدة الدستورية الجديدة يحتاج الى شروط متعددة منها ماهو ثقافي وسياسي ومنها ماهو اداتي، فالثقافة السائدة الان لدى جل مكونات المجموعة الوطنية لا تتلاءم بالقدر الكافي مع ثقافة التشاركية، فثقافة تحميل المسؤولية للآخرين او للدولة او للأعلى هي ثقافة غير مواتية لبناء اسس التشارك كما أن ثقافة امتلاك الحقيقة وتقدير الاصلح للمواطنين السائدة لدى الادارة ليست ثقافة ملائمة لبناء هذه التشاركية لذلك يتوجب العمل على تغيير عميق للعقليات عند الادارة والمنظمات غير الحكومية والجمعيات والمواطنين والمقاولين ...لاستيعاب مقتضيات العقيدة الجديدة والقطع مع ثقافة الكرسي الفارغ وثقافة انا ومن بعدي الطوفان وترسيخ ثقافة جديدة تؤمن الاعتراف بجميع مكونات المجموعة الوطنية كفاعلين كاملي الاهلية لتحمل مسؤولية تدبير شؤون الوطن. وبالاضافة الى التغيير الثقافي لابد كذلك من مراجعات عميقة للعقلية السياسية السائدة والتي رسخت ثقافة امتلاك السر وسلطة المعلومة، والتزام المؤسسات بثقافة التشارك وتقاسم المعطيات وتقاسم المسؤولية والكفء عن التعامل مع الاخرين كمتلقين لما تنتجه المؤسسات. وعلى مستوى الشروط الأداتية فتتجلى بالخصوص في تطوير الاليات العلمية لصناعة السياسات والقرارات وتمكين الفاعلين منها وخاصة المقاربة التشاركية والتخطيط الاستراتيجي ومناهج التشخيص الحديثة.... إن ترسيخ هذه العقيدة الدستورية الجديدة من شأنه بناء منطق جديد في علاقة المواطن مع الدولة، يعيد التوازن الى العلاقة بينهما ويحل الدولة في محلها الطبيعي خدمة شعبها وتحقيق كرامته ورفاهه.