هناك ثلاث مؤشرات برزت في السلوك السياسي لحزب الاستقلال والتي تؤكد بأن الممارسة السياسية للفاعل الحزبي لا زالت تحتاج إلى أن تتكيف مع المقتضيات الدستورية، وترتفع إلى مستوى المسؤولية السياسية، وتجعل الحراك السياسي بمختلف أشكاله غير مصادم للأطر القانونية. - أول هذه المؤشرات، دستوري، يرتبط باستعمال فصل دستوري (42) في غير محل النازلة، وطلب تفعيل الوظائف الضمانية والتحكيمية للملك التي يتضمنها هذا الفصل غير مناسبة للحيثيات التي أفرزتها التطورات السياسية ألأخيرة مع مقتضيات وعناصر هذا الفصل، لأن موضوع هذا الفصل يرتبط بالنزاع بين المؤسسات الدستورية، والذي يصل إلى حد عرقلة سير المؤسسات، بينما الواقعة محل النزاع، هي خلاف داخل مكونات الأغلبية، حاول حزب الاستقلال أن يسابق الزمن من أجل تعميقه وتوظيفه والضغط به من أجل تحقيق مطالب حزبية تحتاج إلى نقاش سياسي داخل الأغلبية، وإلى مسطرة دستورية لا تملك فيها الحكومة ورئاستها كل الصلاحيات الدستورية في الحسم فيها. - ثاني هذه المؤشرات، سياسي، يرتبط بالسلوك السياسي لحزب الاستقلال الذي بدل أن يتحمل مسؤوليته السياسية كاملة في أجرأة القرار «السيادي» الذي اتخذه مجلسه الوطني ضمن ألأطر الدستورية المعروفة، التجأ إلى إقحام المؤسسة الملكية في خلافات سياسية، هي فوقها، لتبرير حالة التردد السياسي في الموقف وللبقاء في موقع اللاعب الذي يمارس المعارضة، لكنه لا يريد الخروج من الحكومة، وهي مسلكية سياسية، كان الأجدر أن يتم القطع معها بإحدى طريقين: البقاء في الحكومة والاشتغال بمنطق الحزب المشارك فيها مع تدبير الخلاف مع مكوناتها داخل مؤسسات الأغلبية بكامل المسؤولية السياسية، أو الخروج الواضح المكشوف إلى المعارضة. والذي يزيد من تعزيز هذا المؤشر أن حزب الاستقلال اختار أن يصرف قراره عبر وسائل الإعلام، ولم يصرف هذا القرار بشكل رسمي يبلغ فيه قيادات الأغلبية أو رئاسة الحكومة بقرار الانسحاب أو البقاء في الحكومة. - وثالث هذه المؤشرات قانوني، مرتبط بالشكل الذي تعامل به حزب الاستقلال مع بعض اللجان البرلمانية، إذ سمح فريقه البرلماني لنفسه بمراسلة رئيس البرلمان يطالبه فيها بتأجيل اجتماعات اللجان الدائمة المبرمجة. و بادر رئيس لجنة الداخلية بتأجيل الاجتماع الذي كان مقررا عقده مساء أمس الثلاثاء على الساعة الرابعة بعد الظهر للتصويت على مشاريع قوانين تتعلق بمزاولة مهنة الهندسة، دون أن يتم حسم التأجيل داخل مكتب اللجنة، كما هو مسطر في صلاحيات اللجان الدائمة ومكاتبها في النظام الداخلي للمجلس النواب، قبل أن يتراجع عن ذلك أمس ساعات قبل موعد انعقاد اللجنة مما يربك عملها على اعتبار أن أغلب أعضاء اللجنة يقطنون خارج مدينة الرباط. و تنص المادة 38 من القانون الداخلي لمجلس النواب على أن مكتب اللجنة الدائمة يتمتع بكامل الصلاحية في برمجة أعمال اللجنة وأعمال اللجان المتفرعة عنها وتسيير مناقشاتها وتحديد مواعيدها ومدد اجتماعاتها والإشراف على وضع التقارير المقدمة إلى الجلسة العامة باسم اللجنة، وأن التأجيل يتم بمقتضى المادة 41 بطلب على الأقل من نصف أعضاء اللجنة المعنية الحاضرين، ويتم حسمه داخل مكتب اللجنة، وليس بقرار من رئيسها، لأن الأمر يتعلق بمؤسسة اسمها اللجنة الدائمة، وليس بشخص يرأسها يوجه عمل هذه المؤسسة حسب اختيارات حزبه السياسية ضدا على النظام الداخلي لمجلس النواب. والمفارقة، أن مكتب لجنة العدل والتشريع رفض أمس نفس الطلب بالتأجيل لعدم استيفائه للشروط القانونية، وتم عقد اللجنة لأن الأمر يتعلق بتطبيق القانون. هذه المؤشرات الثلاث، تؤكد بأن فصولا من العبث السياسي قد بدأت، وأن الحاجة أضحت ماسة للدفاع عن الدستور، ورفض أي مسلك لإقحام المؤسسة الملكية في المناكفات الحزبية، والارتقاء بالسلوك السياسي في اتجاه الاحترام الواجب للمؤسسة الملكية من جهة، وعدم التلاعب بالمقتضيات السياسية لإخفاء العجز عن تحمل المسؤولية، والوضوح السياسي في المواقف، واحترام المؤسسات والقوانين.