القرارات التي اتخذتها الحكومة في حق الموظفين الأشباح والتي تندرج في تنزيل منشور رئيس الحكومة بخصوص التغيب غير المشروع للموظفين عن العمل تؤشر على تحول مفصلي في التعاطي مع هذه الظاهرة، إذ طالما شكل الموظفون الأشباح لغزا محيرا وطابوها لم تستطع الحكومات السابقة أن تقترب منه رغم مطالبة النقابات وجمعيات المجتمع المدني بوضع حد لهذه الظاهرة التي تنخر الإدارة المغربية. اليوم، وبعد الإعلان عن وقف أجر 523 موظفا بسبب التغيب غير المشروع عن العمل، وبعد تأكيد وزير الوظيفة العمومية في البرلمان في جوابه عن سؤال كتابي لإحدى الفرق البرلمانية، على أن الأمر يتعلق بسياسة دائمة وحازمة للقضاء على هذه الظاهرة وليس مجرد حملة فقط، تكون الحكومة قد اختارت الانتصار لقيم المواطنة والحكامة والشفافية وتكافؤ الفرص، والانسجام مع المقتضيات الدستورية. المؤشرات الرقمية تعتبر دالة، فإذا كانت الحكومات التي تعاقبت بين 2005 و 2011 أوقفت أجور 600 موظف فقط، فإن هذه الحكومة، وفي ظرف أربعة أشهر ونصف فقط، استطاعت توقيف أجور 523 موظفا. لا ينبغي أن ننسى أن عوامل نجاح تنفيذ منشور رئيس الحكومة تكمن أولا في نوع التدبير الذي تم الالتجاء إليه، إذ بدل أن يتم معالجة هذا الملف سياسيا، تم اختيار المقاربة الإدارية والقانونية، وتفعيل المنظومة التشريعية، وتحميل المسؤولية للرؤساء التسلسليين في متابعة مقتضيات هذا المنشور واستخدام أحدث التقنيات في المراقبة، وهو ما جعل محاربة هذه الظاهرة تتم بهدوء وبشكل قانوني وبعيدا عن أي توظيف سياسي، لأن الأمر يرتبط في البدء والمحصلة باحترام تعاقد إداري بين الموظف وإدارته، وبقوانين تحدد العلاقة بين الطرفين وتوضح الجزاءات التراتبية الناجمة عن الإخلال بالعمل. لكن، مع الإقرار بفعالية هذه العملية، ونوع التدبير الذي تم الالتجاء إليه، فإن هناك حاجة اليوم، إلى أن يتم تحسين أداء الإدارة في تحيين معطياتها وبياناتها عن موظفيها، والتمييز بين من هم في وضع قانوني ومن هم في وضع غير قانوني، وذلك حتى لا تتسبب الإدارة في إلحاق ضرر ببعض موظفيها المتفانين في عملهم عن طريق الخطأ، كما تتطلب هذه العملية أن يتم توحيد معايير تنفيذها بين مختلق القطاعات حتى لا يقع تفاوت في النتائج، وهذا يتطلب من الإدارة المغربية أن تكشف بوضوح عن القطاعات التي تم فيها وقف أجور هؤلاء الموظفين حتى تستبين الخارطة الحقيقية للأشباح والقطاعات التي كانت تشكل مركز ثقل هذه الظاهرة حتى يتم إحاطتها في المستقبل بكامل الضمانات القانونية التي تمنع عودة الظاهرة إليها، كما يتطلب الأمر إعادة تقييم مفهوم التفرغ بكامل مستوياته، وتقييد الإطار القانوني المنظم له حتى لا يكون بمثابة الثقب الذي يوفر اتساع ظاهرة الشبحية في الإدارة المغربية، إذ العلاقة بين الشبحية وبعض أنماط التفرغ قائمة لا مجال لإنكارها، وهو ما يستدعي تدخل مشرط قانوني يفصل بين الظاهرتين ويحمي العمل النقابي النبيل من أن يصير أداة لإنتاج الريع ووسيلة للتملص من الواجب المهني. بكلمة، هناك اليوم ثلاث أجندات ينبغي الاشتغال عليها في هذا الورش وبشكل متواز، ترتبط الأولى برفع فاعلية عملية محاربة هذه الظاهرة ودائما في الإطار القانوني، لأن أرقام هذه الظاهرة تتعدى بكثير الرقم الذي تم التوصل إليه، وترتبط الثانية بالسير بنفس السرعة في محاربة هذه الظاهرة في كل مفاصل الإدارة المغربية وتمكين الرأي العام من معطيات مفصلة وشفافة عن سيرها في هذه القطاعات، أما الأجندة الثالثة، فترتبط بترشيد عملية التفرغ وتقييد إطارها القانوني بما يسمح باجتثات سرطان الشبحية من جسمها.