جاء في الرحيق المختوم بخصوص المجلس الاستشاري لأخذ خطة الدفاع عن المدينة قبيل غزوة أحد والتي تكبد فيها المسلمون خسائر كثيرة: «عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً استشارياً عسكرياً أعلى، تبادل فيه الرأي لاختيار الموقف (...) ثم قدم رأيه إلى صحابته ألا يخرجوا من المدينة وأن يتحصنوا بها، فإن أقام المشركون بمعسكرهم أقاموا بِشَرِّ مُقَام وبغير جدوي، وإن دخلوا المدينة قاتلهم المسلمون على أفواه الأزقة، والنساء من فوق البيوت (...) (ثم) بادر جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاتهم الخروج يوم بدر ومن غيرهم، فأشاروا على النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج، وألحوا عليه في ذلك حتى قال قائلهم: يا رسول الله، كنا نتمني هذا اليوم وندعو الله، فقد ساقه إلينا وقرب المسير، اخرج إلى أعدائنا، لا يرون أنا جَبُنَّا عنهم.(...) ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس يوم الجمعة، فوعظهم وأمرهم بالجد والاجتهاد (...) قال لهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير: استكرهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج فردوا الأمر إليه، فندموا جميعاً على ما صنعوا، فلما خرج قالوا له: يا رسول الله، ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما شئت، إن أحببت أن تمكث بالمدينة فافعل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ينبغي لنبي إذا لبس لأْمَتَه وهي الدرع أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه». معلوم أن المسلمين تكبدوا في غزوة أحد خسائر فادحة، وتولى بعضهم الأدبار وانكشفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدر العدو على جرح النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يبق معه إلا مجموعة قليلة من الصحابة ثم عادوا إليه وظلوا يدافعون عنه حتى تراجع العدو، وقد وقعت خسائر كبيرة في جيش المسلمين باستشهاد عدد من الصحابة وعلى رأسهم حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك نتيجة لأخطاء معروفة، وسنن الله تعالى لا تحابي أحدا ولو كان الأنبياء والصحابة، وأبرز تلك الأخطاء مخالفة الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث تركوا أماكنهم بعدما رأوا من جمع الناس للغنائم، كما أن رأي الخروج لم يكن مناسبا لعدم التناسب بين قوة المسلمين والتي كانت تقدر بسبعمائة مقاتل والعدو الذي كان يقدر بثلاثة آلاف مقاتل مع عدة وعتاد كبيرين، ولكن لما كان الرأي الذي أخذ به جاء نتيجة للشورى فقد جاء القرآن الكريم يؤكد على مزيد من المشاورة. يقول سيد قطب رحمه الله في قوله تعالى: «وشاورهم فى الأمر»سورة آل عمران: 159، والتي جاءت بعد غزوة أحد التي حدثت فيها المشاورة: «يقرر الإسلام هذا المبدأ في نظام الحكم - حتى ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يتولاه. وهو نص قاطع لا يدع للأمة المسلمة شكا في أن الشورى مبدأ أساسي, لا يقوم نظام الإسلام على أساس سواء. أما شكل الشورى, والوسيلة التي تتحقق بها, فهذه أمور قابلة للتحوير والتطوير وفق أوضاع الأمة وملابسات حياتها. وكل شكل وكل وسيلة, تتم بها حقيقة الشورى - لا مظهرها - فهي من الإسلام. (...) ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهل النتائج الخطيرة التي تنتظر الصف المسلم من جراء الخروج. فقد كان لديه الإرهاص من رؤياه الصادقة التي رآها, والتي يعرف مدى صدقها. وقد تأولها قتيلا من أهل بيته, وقتلى من صحابته, وتأول المدينة درعا حصينة.. وكان من حقه أن يلغي ما استقر عليه الأمر نتيجة للشورى.. ولكنه أمضاها وهو يدرك ما وراءها من الآلام والخسائر والتضحيات. لأن إقرار المبدأ, وتعليم الجماعة, وتربية الأمة, أكبر من الخسائر الوقتية».