سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
على هامش ندوة دولية في موضوع التربية السلوكية بمراكش..الدكتور محسن عبد الحميد أستاذ بكلية التربية ببغداد ل"التجديد":المفكر هو الذي ينزل من برجه العاجي ليحول أفكاره إلى واقع ملموس.
قال الدكتور محسن عبد الحميد أستاذ بكلية التربية ببغداد إن المفكر الذي يخفق في أن يحول فكره إلى حركة وتغيير وإعادة صياغة الأمة، هو مفكر يجلس في برج عال ولا قيمة لأفكاره إلا في نطاق معين، بخلاف بديع الزمان النورسي الذي حول نظرياته إلى واقع وإلى جيل يتحرك في تركيا، والشهيد حسن البنا الذي نقل أفكاره إلى جيل يتحرك في القارات الخمس. وأضاف محسن عبد الحميد :"وهذا هو المفكر الذي نريده ، والذي يستطيع أن يفهم الوحي فهما جيدا بأصوله وقواعده ومقاصده، ويفهم الأسرار حتى يستطيع أن ينتقل إلى المجتمع وينزل النصوص تنزيلا صحيحا على المقاصد". وقد شارك الدكتور محسن عبد الحميد في ندوة دولية في موضوع التربية السلوكية عند بديع الزمان النورسي وابن المؤقت المراكشي، نظمتها على مدى ثلاثة أيام شعبة الدراسات الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش، بتعاون مع مركز الثقافة والعلوم بإستنبول بتركيا وبإسهام أسرة ابن المؤقت المراكشي، وختمت أشغالها يوم الخميس 16 يناير 2003. وفي رده على من يحكم على بديع الزمان النورسي، الداعية التركي المعروف، بكونه لم يهتم بالسياسة ، قال محسن عبد الحميد إن هذا الرجل العظيم قد دخل السياسة من أوسع أبوابها، ويستنبط ذلك من خلال الاطلاع على رسائله من أولها إلى آخرها، وأضاف أن هذه السياسة ليست السياسة الساقطة التي تؤدي إلى النفاق والتزلف والنزول عن الثوابت، ولكن السياسة التي تبني الأمة بالحكمة والهدوء والموقف السديد والاستفادة من طبيعة المرحلة . فالنورسي، يضيف الدكتور محسن عبد الحميد، لما وجد أن الخراب قد أصاب كل خلية من خلايا المجتمع الإسلامي انسحب إلى الوراء مؤقتا لكي يخطط لبناء أمة مسلمة مؤمنة جديدة، واستطاع عبر حياته الطويلة في المرحلة الثانية أن يبني هذه الأمة بناء إسلاميا رصينا، ومن هو مطلع على أوضاع المجتمع التركي يستطيع أن يلاحظ ذلك تماما. وتساءل الدكتور محسن عبد الحميد عن ماهية السياسة، إن لم تكن هي بناء أمة في الإسلام. وقد نجح النورسي في بناء الأمة وفضح اللادينيين، وفضح الذين أرادوا أن يحرفوا الإسلام، ويلاحظ ذلك من خلال تبنيه للقضايا الإسلامية من أصغر قضية إلى أكبر قضية، ثم أجاب أن هذا هو عين السياسة، لأن النورسي تبنى منهجا شموليا ومتوازنا، منطلقا من الوحي إلى العصر ليواجه مأساة أمة ويبني أمة بعقلية معاصرة. وفي الأخير انتقد محسن عبد الحميد توجه بعض الإسلاميين في مصر والجزائر، الذين لجأوا إلى العنف وسفك دماء المسلمين وتوجيه الجهاد إلى الداخل، بدل توجيهه إلى الخارج، لأن الجهاد الذي نحتاجه داخل العالم الإسلامي، يشير الدكتور محسن عبد الحميد، هو جهاد قلم وجهاد دعوة وموعظة وإحداث وعي، وجهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا المنتج، وبرهن على ذلك في الأقطار التي توجه الإسلاميون فيها هذا الاتجاه. ومعلوم أن للدكتور محسن عبد الحميد كتابا عنوانه "النورسي متكلم العصر الحديث " بين فيه كثيرا من خصال هذا الداعية التركي. تجدر الإشارة أن هذه الندوة شارك فيها ثلة من العلماء الأجلاء والأساتذة الأفذاذ، الذين ألقوا الضوء على أعمال كل من العلامة الجليل ابن الموقت المراكشي بصفته واحدا من العلماء الذين برزوا في نقد السلوك ورصد مظاهر الانحراف، والداعية والمربي سعيد النورسي بصفته مصلحا ومقاوما لجل مظاهر الفساد، وذلك من خلال التربية السلوكية عند هذين القطبين، وكما بينتها بالنسبة لسعيد النورسي عدة مداخلات، منها مداخلة الدكتور المصطفى الوظيفي، الذي قال إن النورسي انتقد مزالق السالكين نتيجة للتدهور الفكري والسلوكي الذي عرفته تركيا إبان فترة ما قبل الاستعمار وبعده بقليل. وقد تزامن هذا الوضع مع فترة هذا المصلح الذي دفع به الأمر إلى اتخاذ مواقف نقدية صارمة أدت به إلى انتقاد شيوخ الطريقة النقشبندية وغيرهم، ودفعت به كذلك إلى انتقاد السلوكات التي فشت بشكل رهيب في المجتمع وأبعدته عن الصواب. ورغبة منه في الوصول إلى تأسيس سلوك جديد يمكن طالب النور من العيش عيشا روحيا نقيا من جهة وحياة مادية مفيدة من جهة أخرى، رأى النورسي وجوب تحطيم الطرق المغلوطة وتحطيم المادية العفنة. أما بالنسبة لابن المؤقت المراكشي، فقد تناولته عدة قراءات في هذه الندوة، منها ما بينه الأستاذ عبد الرزاق ازريكم، حيث أبرز في مداخلته جملة من المجالات التي اهتم بها ابن المؤقت، وحاول معالجتها بالنهي عن تركها، وسجل طريقة أسلوبه في الدعوة بالنهي عن المنكر في مجتمع سادت فيه العديد من العادات السيئة، وما ترتب عنها من قبح في السلوك وضرر على المجتمع، وصاغها في ما سماه بعيوب القوم أو بالأفعال الذميمة أو العوائد المنكرة أو غرائب العادات القبيحة. وكل هذا فيه إشارة إلى مجال الاهتمام بقضايا المجتمع التربوية التي تسعى إلى تقويم السلوك الفردي والجماعي حين انحرافه بالنهي عنه والتذكير بما ينبغي اتباعه بعد التشخيص وتحديد الخرق. يذكر أن هذه الندوة قد وازاها معرض للكتاب تضمن بعض أعمال كل من سعيد النورسي وابن المؤقت المراكشي. مراكش /عبد الغني بلوط