بمقاييس العلاقات الدولية، لا يكون بالضرورة رحيل الرئيس أو تغييره مؤشرا على إمكان حدوث تحول مفصلي في توجهات الدول في علاقاتها الخارجية، لكن في حالة فنزويلا التي توفي رئيسها هيوغو شافيز، والتي قرر المغرب في صيف 2009 إغلاق سفارتها بالرباط احتجاجا على الدعم التي تقدمه لجبهة البوليساريو، لا يتعلق الأمر بمجرد رحيل الرئيس بقدر ما يتعلق بحدوث تحولات أخرى لا بد من أخذها بعين الاعتبار، فالقذافي الذي كان يشكل حليفا استراتيجيا لفنزويلا والداعم والجسر الذي يمر منه الدعم لجبة البوليساريو قد رحل قبله، والتحولات التي تعيشها ليبيا تؤشر على تحول جوهري في موقفها تجاه قضية الوحدة الترابية لجهة القطع مع ماضيها الملتبس في علاقاتها بأعداء الوحدة الترابية لاسيما بعد الدور القذر الذي لعبته البوليساريو ضد الثورة الليبية، والجزائر نفسها تعيش اليوم وضعية خاصة بسبب تداعيات التدخل العسكري الفرنسي في مالي، والتي تفرض عليها، الاحتياط في علاقاتها مع جبهة البوليساريو لاسيما بعد ظهور عدة تقارير تثبت علاقة هذه الجبهة بالتنظيمات الإرهابية في الساحل جنوب الصحراء. صحيح، أن الذي تولى الرئاسة في فنزويلا ، وبشكل مؤقت في المرحلة الانتقالية هو سليل نفس الطينة الثورية التي تشرب ماءها من سلفه هيوغو شافيز، وأنه أظهر بعض المؤشرات الأولية على أنه لن يغادر قيد أنملة سياسة سلفه على الأقل بخصوص موقفه من الولاياتالمتحدةالأمريكية، لكن ذلك لا يعني بالضرورة عدم وجود إمكانية لتحرك دبلوماسي سريع لاستثمار التحولات التي حدثت مع ربيع الشعوب العربية، وإقناع فنزويلا بجدية المبادرة المغربية، وأنها تمثل الحل الواقعي والجدي للنزاع، بدل دعم خيار لا مستقبل له، ولم يعد يجد في المنطقة من يدعمه، هذا فضلا عن كونه يكلف دولة فنزويلا غاليا من غير أن تحقق من ورائه أي كسب يذكر. ينبغي التأكيد هنا أن اصطفاف فنزويلا ضد أمريكا لا ينبغي أن يشكل محددا للعلاقات المغربية الفنزويلية، كما أن علاقاتها مع إيران أو مع ما كان يسمى بمحور الصمود، أيضا لا ينبغي أن ينهض مانعا من إعادة تقييم العلاقة وفق معيار الكسب الذي يمكن أن يحققه المغرب من تحول الموقف الفنزويلي من قضية الصحراء. بعبارة، إن ما ينبغي أن يكون محددا للعلاقة مع فنزويلا هو السبب المعلن الذي تم على إثره إغلاق سفارتها في المغرب، فإذا نجحت الدبلوماسية المغربية في رفع هذا السبب بإقناع الطرف الفنزويلي بتغيير موقفه في قضية الصحراء ووقف دعمه لجبهة البوليساريو، فكل الاحتمالات ينبغي أن تبقى مفتوحة بما في ذلك إعادة تطبيع العلاقات مع هذه الدولة، وتحصينها بالواصل الدبلوماسي المطرد حتى لا تعرف نفس المصير الذي عرفته في صيف 2009.