يعتبر تفريق المال على وجه الإسراف تبذيرا في الشرع ومنافيا لمنهج التوسط والاعتدال كما قال تعالى مبينا صفة من صفات عباد الرحمن: «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما»سورة الفرقان: 67، فهم إذا أنفقوا من أموالهم لم يتجاوزوا الحد في العطاء، ولم يضيِّقوا في النفقة، وكان إنفاقهم وسطًا بين التبذير والتضييق. وحتى في فعل الخير وإن مدح فيه التوسع نجد النبي صلى الله عليه وسلم باستثناء حاله مع أبي بكر رضي الله عنه حيث قبل مجيئه بماله كله، يوجه سعد بن أبي وقاص لأن يترك لورثته ما يغنيهم عن غيرهم حيث قال له «إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكفَّفون الناس،(صحيح البخاري)، ومثل ذلك فعله مع أبي الدحداح حيث قبل منه حديقة وأرشده إلى أن يجعل الأخرى في أهله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعل إحداهما لله والأخرى دعها معيشة لك ولعيالك. وأما الإنفاق في الحرام وما لا يجوز فتعتبر كل نفقة فيه ولو قلت من التبذير المحرم، فلو أنفق الإنسان درهما فيما لا ينبغي اعتبر مبذرا، ولو أنفق مالا كثيرا في الخير لم يعتبر كذلك بل وكان فيه محسنا، والكيس من أخذ بسلم الأولويات في إنفاقه: يبدأ بالواجبات والضروريات ثم الحاجيات وبعدها التحسينيات والكماليات من غير إسراف حسب ما تضبطه الأعراف السليمة في ذلك. لا بد من حس الاقتصاد في الفقر والغنى، فإن الأفراد والدول الذين لا يجدون المال ويعيشون حياة الفقر والحاجة لا يحترمهم الآخرون في الغالب. وإن من أعظم الوسائل لحفظ هذه النعمة نعمة المال الاقتصاد في النفقة والاعتدال في المعيشة. قال بعض العلماء: «ما وقع تبذير في كثير إلا هدمه، ولا دخل تدبير في قليل إلا ثمَّره» (يعني نمَّاه). فهل من ترشيد لنمط حياتنا الاستهلاكية وكيفية التعامل مع الموارد الحيوية من ماء وطاقة وغيرهما؟ ولما علم الأسلاف رضي الله عنهم قيمة الاقتصاد وجدناهم رغم زهدهم في الدنيا حريصين على القصد في النفقة وعدم إهدار الأموال التي رزقهم الله إياها. يقول أبو بكر رضي الله عنه: «إني لأبغض أهل بيتٍ ينفقون رزق أيام في يوم واحد». وقال عمر رضي الله عنه: «الخرق في المعيشة أخوف عندي عليكم من العوز، لا يقلُّ شيء مع الإصلاح، ولا يبقى شيء مع الفساد». ورأى أبو الدرداء حَبًّا منثورًا في غرفة له، فالتقطه وقال: «إن من فقه الرجل رفقه بمعيشته». وليس من الحكمة أن نعطي للنفس كل ما سألت و رغبت و أحبت؟! فعن جابر بن عبد الله قال: رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحماً معلقاً في يدي فقال: ما هذا يا جابر؟ قلت :اشتهيت لحما فاشتريته, فقال عمر: أفكلما اشتهيت يا جابر اشتريت؟! فالقناعة بالقليل هي أحد أركان التقوى؛ سئل علي رضي الله تعالى عنه عن التقوى فقال: «هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل» فالقناعة باليسير من الرزق سلامة لدين المرء ودنياه، وهي من الخلق الرفيع الذي يستحق بذل جهدنا لبلوغه والتحلي به