● بداية قبل أن نخوض في البحث عن الأسباب وراء استقالة بابا الفاتيكان الذي يعد حدثا تاريخيا لدى المسيحيين، إلى أي حد لدى البابا أهمية ومركزية عند المسيحيين؟ ❍ بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على محمد المبعوث رحمة للعالمين. أما بعد، فإن أهمية البابا ومركزيته عند المسيحيين من الأمور الأساسية عندهم ، فالبابا هو رأس الكنيسة الكاثوليكية وخليفة القديس بطرس أمير الرسل في التصور المسيحي ، وله سلطة الحل والعقد ومعصوم في التصور المسيحي عن الخطأ في تعليمه العقائدي الذي يعلنه. وهو أيضًا رأس دولة الفاتيكان. ومن المعلوم أن الباباوات اضطلعوا في السابق بدور سياسيّ بارز في أوروبا وإمبراطورياتها، وتنامى الدور خلال القرون الوسطى، ثم تضاءل حتى اختفى مع فصل الدين عن الدولة وسواها من تنظيمات المجتمع المعاصر؛ وعلى الرغم من ذلك فلا تزال للبابا وظيفة حل المشاكل الناشئة سيّما بين الدول الكاثوليكية، ، فهو ينصح ويوجه في رسائله، ويوضح الرؤية المسيحية لحل نزاعات أو قضايا بعينها. وعلى العموم فالحديث عن البابا معناه في التصور المسيحي الحديث عن أسقف روما، ونائب يسوع المسيح، وخليفة بطرس أمير الرسل، والحبر الأعظم للكنيسة الجامعة، وكبير أساقفة المقاطعة الرومانية، وسيّد الفاتيكان، وخادم خدام الله وصاحب القداسة، وقداسة البابا والأب الأقدس.. ولا شك أن من يحمل كل هذه الألقاب فإن له من الأهمية العظمى عند أتباعه ما لا يمكن تجاهله أو إنكاره. ● المراقبون يعتبرون أن الأسباب وراء تقديم الباب لاستقالته، هي إساءته المتكررة للإسلام من خلال تصريحاته ومواقفه، إضافة إلى الفضائح الجنسية التي تفجرت في عهده، برأيكم هل هذه أسباب حقيقية؟ ❍ استقالة البابا بنديكت السادس عشر عن سدة البابوية ليس بالأمر العادي نظرا لمكانة البابا في العالم الكاثوليكي والغربي كما تقدم أولا، وثانيا لكون هذه الاستقالة حدثا وخطوة غير مسبوقة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية منذ 600 عام، عندما قام البابا شيليستينو الخامس بالاستقالة، وإن كانت الأسباب والظروف مختلفة عن اليوم. وقد تضاربت الآراء واختلفت القراءات حول هذا التنحي وهذه الخطوة المفاجئة، ففي الوقت الذي يعتبر البعض فيه إعلان هذه الاستقالة والتنحي قرارا شجاعا بما برر به البابا خطوته هذه وهو أن صحته وسنه لم يعودا ملائمين لقيادة الكنيسة، يرى البعض الآخر أن وراء هذه الاستقالة مشاكل وفضائح الفساد والاعتداءات الجنسية على الأطفال والصراع على السلطة والخلافات حول «عقيدة الإيمان»، وكل هذه المشاكل ألقت بثقلها على البابا حيث لم يعد قادراً على إدارة الحكم بنفس النهج السياسي الذي اتبعه حتى الآن. فالمشكلة الحقيقية ، هي عدم مواكبة الكنيسة للعصر الحديث، فمع تسلم البابا منصبه عام 2005 أصبحت الكنيسة أكثر تزمتاً وإصرارا على أن المبادئ والقيم الكاثوليكية غير قابلة للنقاش وتنطبق على كافة المجتمعات والسياسات بالتساوي. وفي ذلك ما فيه من انعكاس على العالم الآخر والحوار مع الديانات الأخرى.. وترى قراءات أخرى أن السبب الحقيقي مرجعه إلى الصراع من أجل الدين في عالم علماني سريع التغيرات، فالبابا ضحية مثله مثل باقي القيادات الدينية للتغيرات السريعة، ولفكرة أن العلمانية تتناقض مع الدين. فمع وصول البابا إلى سدة البابوية لم يترك حيزاً لإبداعات جديدة لإدخال تغييرات على الكنيسة، وركز على شخص الكاهن، واستثنى المرأة من الكهنوت ووطد السلطة الذكورية والهرمية للكنيسة. ومن الدراسات من ربطت بين هذه الاستقالة وبين تدفق المسلمين على أوروبا الغربية وتنامي مد « الأسلمة»، واعتبرت ذلك السبب الحقيقي الدافع بأسنّ و أكثر باباوات الكنيسة الكاثوليكية تعميرا إلى التنحي قصد «إفساح المجال لنموذج آخر قادر على التعامل مع الشباب و تلبية تحديات القرن العشرين»، وعلى العموم من الصعب أن نرجع سبب الاستقالة إلى رأي واحد من الآراء التي تم ذكرها والتي لم تذكر، والقادم من الزمن كفيل بالكشف عن الأسباب الحقيقية لهذا الحدث. ● الكنسية في حقب تاريخية سابقة كان لها دور كبير في الحياة لدى الغرب، ما هو حدود تداخل الكنسية في حياة المسيحيين ومختلف مجالات الدنيا؟ ❍ لقد كان للكنيسة من الأثر في حياة المسيحيين ما لا يمكن إنكاره ولا إبعاده، فالمسيحية هي دين الدولة في العديد من الدول الغربية وأعلامها تحمل رموزا مسيحية، وعلم الاتحاد الأروبي ذو حمولة مسيحية، والحضارة الغربية وتاريخها وثقافتها كلها ذات حمولة مسيحية ، رغم ما يردد البعض من مقولة ما لله لله وما لقيصر لقيصر.