اعتبر الممثل المغربي بنعيسى الجيراري ابن الحي الشعبي العكاري بمدينة الرباط أن السينما المغربية في صحة جيدة مقارنة مع المسرح والتلفزة، مشيرا إلى أن مشكل السينما المغربية يكمن أساسا في ضعف الإبداع وغياب نصوص جيدة يمكن أن تبقى خالدة لعقود ولا تعزف على وتر الموجة التي تتجه السينما المغربية نحوها. الجيراري الذي خرج للوجود عام 1967 وخريج المعهد العالي للفنون المسرحية سنة 89 عبر عن قلقه ممن وصفهم بالمرتزقة والذين طفوا فجأة في السنوات الأخيرة وبأعداد كبيرة في مجال التمثيل، بشكل يقول الجيراري «تخلطت فيه الأمور وأصبح اللي جا يمسح رجليه في التمثيل». الجيراري الذي مثل في عدة أفلام ومسلسلات مشهورة لم ينل الشهرة المستحقة بعد، وهو أمر يحيره هو الآخر ولا يجد له جوابا ويعتبر أنه مازال ينتظر الفرصة السانحة خاصة في مجال السينما عكس التلفزيون والمسرح الذي يشهد له بالتواجد المستمر به. وإن كان أرجع جانبا من عدم حضوره القوي بالسينما إلى سيادة منطق «باك صاحبي» في مجال التمثيل كما هو الشأن لباقي المجالات. الجيراري في موضوع مشاهد العري والجنس التي أغرقت بها العديد من الأفلام المغربية قال ل «التجديد» إن الأصل في الإبداع الحرية، لكن دعا إلى استخدام لغة الإيحاء والترميز وكل ما من شأنه إيصال الرسالة دون سقوط في المجانية أو الفضائح . الجيراري الذي كانت انطلاقته مع مسلسل «دواير الزمان» ثم «جنان لكرمة» ومسرحيات عدة أبرزها «النشبة» للمرحوم الطيب لعلج و «دار الغالية» و»عام النبك»وكذا شريط ضفائر السينمائي و»اللجنة» التلفزيوني، يستحضر في هذا الحوار حكاية طرفة عومل فيها بأنه أحمق بعد تواجده بمستشفى الرازي للأمراض العقلية بسلا سنة 2004 ولم ينج من الواقعة إلا بمساعدة. حاوره بطنجة: محمد لغروس بداية لوحظ نوع من الاختفاء لبنعيسى الجيراري على المشهد الفني عموما وخاصة السينمائي، فما السبب؟ لست مختفيا، فأنا دائم التواجد بالمسرح أولا، وهذه السنة أشتغل مع أحد الشباب خريجي المعهد على مسرحية «بوكتف» لعبد الصمد الكنفاوي، بل من الأخبار السارة أننا أعدنا فرقة مسرح الشمس التي تجمعني إلى جانب محمد خيي وبسطاوي والشوبي من خلال العمل الجديد «الباب مسدود»، وبخصوص التلفزة فالسنة الماضية كانت عندي ثلاثة أعمال مع نور الدين دوكنة «كل ما يريده الرجال» ومع الجيلالي فرحاتي في شريط «أمواج من الشمال»، وطبعا سلسلة «لبريكات» لعادل الفاضلي، والملاحظة يمكن أن تكون صحيحة من وجهة غياب الجديد خلال هذه السنة، أما ما يخص السينما فلا أدري لماذا يحدث لي هذا دائما؟ وأنا أتساءل هل أنا غير محظوظ في السينما؟ أم ما يزال علي انتظار فرصتي، فبالفعل أعمالي قليلة سينمائيا لكن شاركت في الشريط الأخير «زينب النفزاوية» لفريدة بليزيد والذي لعبت فيه دورا مهما، وأنتظر خروجه للمشاهدة وعرضه في الدورة المقبلة إن شاء الله للمهرجان الوطني للفيلم. بماذا في نظرك يمكن أن نفسر عدم المناداة عليكم للعديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية على الرغم من الكفاءة التي أثبتموها في هذا الجانب؟ أين المشكل؟ هذه المسألة تجهد تفكيري لكنني لا أجد لها جوابا، وبالمقابل أيضا إن المخرجين السينمائيين يعرفونني ويشهدون بكفاءتي، لكن أين هي الفرصة؟ فالفرص عندي قليلة مع فريد بورقية والجيلالي فرحاتي ومع العبازي ومع عز العرب العلوي حيث كان لي دور مركب وخطير لكوني حاضرا في الفيلم من الأول إلى الأخير، وأشرطة قصيرة أخرى، وبالمناسبة هناك ملاحظة فالكثير من المخرجين الذين نشتغل معهم في البداية ونتعاون معهم عند بدايتهم؛ بمجرد أن يصبح له إسم وأشرطة طويلة ودعم مادي لا يفكر في من اشتغل معه في البداية للأسف، فحضوري في السينما موجود لكنه باهت على عكس التلفزيون، مع العلم -وبكل تواضع- أن ذكر اسم الجيراري في التلفزيون يعني للكثيرين أن الفرجة موجودة. لكن فرصتي الحقيقة لم أحصل عليها بعد في السينما. هل يعني هذا غياب العدالة في الانتقاء وعدم تغليب كفة الكفاءة وأن مجال السينما أيضا لا يسلم من ثقافة «باك صاحبي»؟ هذا الأمر لا يسلم منه أي مجال من المجالات في هذا البلد السعيد، لكن هناك جانب صحي في الأمر وهو عندما يقتنع أحد المخرجين بممثل أو مجموعة تشتغل معه ويتوفرون على كفاءات فلا ضير في الموضوع ولو كانوا أصدقاءه، لكن الذي يضر هو أن يشتغل ممثل أو ممثلان مع مخرج باستمرار حتى عندما يكون الدور لا يناسبهم، وهنا نتألم للأمر، وهناك موضوع اللجوء إلى وجوه جديدة، ويمكن أن تكون من خريجي المعاهد لكن من غير المعقول أن يصبح كل من هب ودب ممثلا، تصور معي أن شخصا لم يسبق له التمثيل فاكتشفه أحد السينمائيين وتسلم جائزة في فيلم وبعد ذلك اشتغل موظفا هل هذا معقول. لكن هناك من المخرجين من يجلب ممثلين من خارج المهنة لغياب صاحب ذلك الدور لدى الممثلين الموجودين، فهذا أمر صحي لكن أعتقد أن خريجي المعهد هم بالمئات وهم أولى من غيرهم. بخصوص الدورة 14 من المهرجان الوطني للفيلم سجل مجمل النقاد والمتتبعين انحدارا مخيفا في مستوى العديد من الأفلام المعروضة، كيف تقارب أنت هذا الموضوع؟ لاحظت أن هناك تباينا كبيرا بين الأعمال التي قدمت خلال هذه الدورة لأنه كانت هناك بعض الأعمال حقيقية وهي معدودة على رؤوس الأصابع وبالمقابل كانت أعمال أخرى دون المستوى على جميع المستويات موضوعا وتقنيات وإخراجا وفي جوانب عديدة. فكانت أعمال جيدة وأخرى دون المستوى. إذا أردنا أن نبحث في الأسباب.. كيف تفسر في نظرك ما حدث في دورة كان يفترض أن نراكم فيها تقدما وعلى مختلف المستويات؟ الكم موجود، ونريد تحقيق الكم في انتظار الكيف وهذا جيد، لكن أعتقد أن المشكل مشكل إبداع بالأساس، لأن الإمكانات متوفرة حقيقة واعتقد أن فيلم ب 300 مليون سنتيم على مخرجه ومنتجه أن يقدما عملا محترما، طبعا الحديث هنا ليس عن الأعمال التاريخية الكبرى. كما أن المشكل أيضا في النصوص الضعيفة وهذا يعكس مشكلا آخر، فاللمسة الفنية للمخرج تكون غائبة في العديد من الأحيان. طيب ما تقيمك المجمل لواقع السينما المغربية وكيف تنظر إلى مستقبلها؟ أعتقد أن السينما المغربية في صحة جيدة مقارنة مع المسرح والتلفزة، ففي وقت من الأوقات كان المسرح هو المتصدر وكانت السينما لا تتجاوز 7 أفلام في السنة وكانت الرداءة التقنية هي سيدة الموقف عندما نلج إلى القاعة، ولذا فالسينما تطورت على المستوى التقني بمستوى يوازي ما هو دولي وأصبح للمغرب بصمة خارج الوطن، وهذا يعني أنها ستتطور للأحسن في المستقبل. بعد ربح الرهان على المستوى التقني كما تفضلت وكذلك على مستوى الكم، ما تزال أسئلة عدة تطرح على مستوى المضمون والأفكار، كيف تنظر أنت إلى هذا الجانب؟ الأفكار مرتبطة كما أشرت بالإبداع والكتابة الجيدة التي لا نتوفر عليها، وكذلك على مستوى المواضيع، حيث أن الموضوع يمكن أن يكون إنسانيا ويلامس الناس حيث ما عرض، إذن فالمشكل عندنا أساسا في الكتابة للأفلام، كما لدينا مشكلة أخرى أن السينما المغربية عندما تتطرق إلى موضوع معين يتوجه لها الجميع، فمثلا عندما تناولنا في مرحلة من المراحل الهجرة السرية وقوارب الموت الكل توجه لذلك، وعندما بدأنا التحرر نوعا ما من «الطابوهات» العلاقات الجنسية؛ الكل كذلك توجه لها وعندما أدخلنا اللغة المتداولة في الشارع للسينما الكل كذلك توجه لها. لكن الأفكار التي لا تتبع الموجة والأفكار التي ستبقى خالدة بعد عقود؛ نحن ما نزال نفتقر إليها. في سؤال المضامين مرة أخرى يلاحظ أن موضوع الجرأة أصبح لصيقا لدى الكثير من المخرجين بعدد الأجساد العارية في الفيلم والمشاهد الجنسية وكذا باللغة الساقطة، كيف تنظر أنت إلى هذه الظاهرة؟ السينما هي إبداع بالدرجة الأولى، والإبداع في نظري لا وطن له.. بمعنى أن مسألة العري وكوننا في بلد إسلامي هذا جانب، لكن السينما تعني أن الإبداع يلامس الكثيرين، فالعري في السينما مثلا نشاهده عند أجانب أكثر تحررا منا على هذا المستوى، لكن يوظفونه بنوع من الذكاء دون فضائح ورسائلهم تصل، وأنا أقول إذا كان العري مجانيا بمعنى العري من أجل العري سواء تعلق الأمر بامرأة أو رجل أو هما معا دون أن يكون مبررا؛ فهنا نسقط في المجانية، وهناك مخرجون مغاربة عبر الإيحاء تصل رسائلهم ويفهم المعنى وهذا هو المهم. هو الأمر الذي حدث مع موضوع الدعارة في فيلم «خارج التغطية» لنور الدين دوكنة حيث فهم الجميع أن إحدى السيدات تمتهنها دون أي مشهد خادش؟ صحيح، وكذلك في فيلم «أندرومان من دم وفحم» عندما كانت الضرورة تقتضي أن تشق التلمسي على صدرها فقد فهمها الجميع دون أن تكشف عنه، وبالتالي ففي أدوار العلاقات الجنسية مثلا يكفي إشارة المرأة وهي تفتح شعرها أو تطفئ النور، أو عبر العديد من التقنيات الأخرى ليفهم الجمهور الرسالة. وأنا لست ضد تلك الأمور بل أنا معها والمهم عندي أن لا تكون المجانية هي الحاكمة. وأن يكون المشهد مبررا وأن تمتلك الآليات التي بواسطتها توصل رسالتك وهذا هو النجاح بالنسبة إلي وهذه هي قوة المخرج ليس في المغرب فقط بل في العالم. كيف تنظر إلى الدينامية الأخيرة التي دشنت في المشهد السينمائي والمرتبطة بالعديد من الأوراش منها المناظرة الوطنية للسينما ودفاتر التحملات ذات الصلة بالإنتاج وكذلك بالسينما إلى جانب تنصيب لجن الأخلاقيات وانتقاء البرامج ولجن دعم السينما بأنواعها الثلاث؟ أولا بالنسبة لدفاتر التحملات فإن النتائج يصعب الحديث عنها في هذا المجال في غضون سنة أو سنتين أو حتى ثلاثة، ودفاتر التحملات بالنسبة لى جيدة خاصة الجانب المتعلق بالحكامة ومراقبة مال الشعب، وبالتالي أنا مع دفاتر التحملات لنعرف المال العام لمن يعطى وأين يذهب، وهي أموال ينبغي أن تذهب لمن سيقدم سينما حقيقية ومشرفة للوجه المغربي وليس لمن سيبذرها، ثم أن من يحب السينما ويتشدق بعشقها فليقم بذلك من ماله الخاص، أما أن يحصل الإنسان على الدعم ويقدم فيلما ليس في مستوانا الاجتماعي ولا الأخلاقي فأنا ضده. موضوع ما يشكل مصدر قلق حقيقي لبنعيسى الجيراري في مجال الفن والتمثيل بوجه خاص؟ في المسرح والسينما والتلفزة يقلقني جدا الدخلاء الذين كثر عددهم من ممثلين وممثلات، فقد أصبح من هب ودب ممثلا «وتخلطت» الأشياء وأصبح «قد القب قد السطل، ولي جا تيمسح رجليه في التمثيل»، والأمر ليس فيه أي حقد أو أي شيء من هذا القبيل، لكن أنا ممثل ولا يمكنني أن أمارس التطبيب لكوني «ما نعرفش ندك لبرا» وبالتالي أصبحنا أمام متطفلين ومرتزقة دخلوا ميدان التمثيل في السنوات الأخيرة وتكاثروا بشكل ملفت، وهذا أمر يقلقني ومن يريد الوجوه الجديدة فهناك معاهد متخصصة ومئات المخرجين. حدثنا عن القصة التي وقعت لك بمستشفى «الرازي» للأمراض العقلية بسلا سنة 2004 وكيف نجوت من المأزق؟ القصة تعود لسنة 2004 عندما كنا نستعد لفيلم «طريق لعيالات» للمخرجة فريدة بورقية، الذي لعبت فيه دور الأحمق فقررت بداية البحث والاستعداد للدور واقترح علي أحد الزملاء بأن أقوم بزيارة ميدانية لمستشفى الأمراض العقلية بين الثانية عشرة والثانية زوالا لأنهم يكونون في استراحة بالساحة وكنت أبحث من أجل دور متميز لأن «الحماق» أنواع ودرجات ومستويات، فولجت المستشفى دون انتباه من الحراس إلى أن وجدت نفسي ولسوء حظي في جناح مخصص للمجانين الذين تم استجلابهم من السجن وكانوا مرفوقين بحراسة مشددة وبرجال أمن ومصفدي الأيدي، ثم اتجهوا نحوي وأمطروني بالأسئلة من أنت؟ وماذا تفعل هنا؟ من أين دخلت؟ لم أخبرهم بهويتي كممثل وكثر اللغط، إلى أن جاء الحارس العام للمسشفى فتنفست الصعداء بعد أن أبدى تعرفه على ملامحي وأنه يعرفني، قبل أن يفاجئني بالقول «آه كنتي ناعس عندنا هنايا» ولم ينقذني من الورطة إلا إحدى الممرضات التي وجهت لي تحية عندما كنت داخلا بالقول «تبارك الله على الفنان ديالنا» وبعد أن جئن لوسط من تجمعوا حولي أخبرنهم بأنني ممثل وفنان وأخلي سراحي.