هل تطرق الباب طرقا خفيفا قبل أن تدخل إلى المنزل؟ هل تستأذن قبل الدخول إلى غرفة والديك؟ هل تستأذن من الآخرين في استعمال حاجياتهم أو أدواتهم وخصوصياتهم؟ هل تستأذن من مرؤوسيك في العمل على كل تأخير أو غياب؟ هل تستأذن في الحديث وسط جمع الناس؟...إذا كنت تفعل ذلك بطلب الإذن في دخول بيت، أوالانضمام إلى مجلس، أوالخروج منه، أو التصرف في متاع غيرك، أو إبداء رأي...، فأنت تطبق خلقا عظيما وأدبا رفيعا في باب احترام خصوصية الناس، ومراعاة حرمة البيوت. ومن دون الخوض في المواقف المؤسفة التي قرأنا وسمعنا عنها كثيرا، حين يصبح هذا الأدب ضائعا في مجتمعات الناس، وحيث تستباح حرمة البيوت ويغيب احترام المشاعر والأحاسيس وصيانة الأعراض...، يجري تأكيد الشرع على أنه رفعا للحرج عن أنفسنا وعن الناس، جاء فقه "الاستئذان"، ليوفر لكل من يلتزم به حياة طيبة كريمة وعلاقات محترمة بكل من يتعامل معهم من الناس. عزيزة الزعلي خلق قرآني أدب الاستئذان واحترام حرمات البيوت وخصوصيات الآخرين من أروع الآداب التي رسم طريقها قول الحق سبحانه وتعالى في سورة النور: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون، فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم، ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون). وذكر المفسرون أن امرأة من الأنصار جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، لا والد ولا ولد، فيأتي الأب فيدخل علي وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال . فكيف أصنع؟ فنزلت هذه الآيات التي تحمل خلقا وأدبا إسلاميا رفيعا، وتحمل نهيا صريحا عن الدخول من دون استئذان. وعبر سبحانه وتعالى عن الاستئذان في الدخول بالاستئناس لأنه يوحي بأن القادم قد استأنس بمن يريد الدخول عليهم وهم قد أنسوا به واستعدوا لاستقباله فهو يدخل عليهم بعد ذلك وهم متهيئون لحسن لقائه، فإذا ما صاحب كل ذلك التسليم عليهم كان حسن اللقاء أتم وأكمل . ثم بيّن الله سبحانه وتعالي حالة أخرى توجب عليهم الاستئذان فقال: (فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم). . أي فإن لم تجدوا في هذه البيوت أحدا بأن كانت خالية من سكانها لظرف من الظروف فلا يصح لكم أيضاً أن تدخلوها حتى يؤذن لكم في دخولها ممن يملك الإذن بذلك. روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنت في مجلس من مجالس الأنصار، إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثًا فلم يؤذن لي؛ فرجعت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يؤذن له فليرجع". فقال: والله لتقيمنَّ عليه بينة، أمنكم أحدٌ سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال أُبي بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم، فقمت معه، فأخبرت عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك. ولا يزيد على الثالثة، سمعه أهل البيت أم لم يسمعوه. وإن سأله صاحب الدار من؟ أجاب باسمه الذي يعرفه صاحب الدار ولا يقول: أنا، لكراهة النبي صلى الله عليه وسلم هذه الإجابة. الاستئذان وقاية إن المفاسد التي تحصل من الدخول المفاجئ على الناس، وهم في بيوتهم، لا تخفى على عاقل. من أجل ذلك كان الاستئذان بمثابة حاجز يقي الإنسان، ويحفظ مشاعره من كل الأسباب، التي تؤدي إلى الفتنة. فالاستئذان أدبٌ يتعلَّمه الطفل مع أمه وأبيه، ومع أخته وأخيه، ومع جدته وجده، ويشبّ عليه ويعلّمه لأبنائه عندما يُكَون بيته؛ لتستمر الأسرة المسلمة متينةً في علاقتها. ويطلب الإستئذان بين الأهل في الدار الواحدة، عند إرادة الدخول على غرفة أحدهم، حتى مع أقرب الأقربين إليه، كأمه وأبيه..وإذا ما تعود الطفل أن يستأذن، نشأ على هذه العادة الحميدة. هذا التأديب الإسلامي الرفيع أمر يغفله الكثيرون في حياتهم المنزلية، مستهينين بما ينشأ عن التفريط فيه من صدمات نفسية، وانحرافات سلوكية، ظانين أن الصغار قبل البلوغ لا يتنبهون لهذه الأمور، في حين يقرر علماء التربية وعلماء النفس أن وقوع عين الطفل على شيء من هذه العورات، أو اطلاعه على هاتيك الأحوال، قد يترتب عليه معاناة نفسية، واضطراب سلوكي لا تحمد عقباه. الاستئذان يحفظ الكسب الحلال الاستئذان من العمل خلق رفيع، يحفظ كسب العامل. لذلك يقرر العلماء بأن العمل أهم من قضايا الموظف الخاصة التي بالإمكان تأجيلها إلى ما بعد العمل وانتهاء الدوام، ومن اضطر للاستئذان فالضرورة تقدر بقدرها، والله يعذر صاحب العذر. ويؤكدون على أن الاستئذان لغير حاجة لا يجوز حتى وإن لم يؤثر على العمل، لأنه سوف يدخل فيه كسب بلا عمل وهذا محرم. ذلك أن النظام يطلب من الموظف الوجود في مقر عمله، وجد عمل أم لم يوجد. معتبرين بأنه لو كان الموظف مربوط بعمل فقط لخرج كثير من الموظفين من عمله ولم يحضر إلا القليل لأن طبيعة عمله قليلة أو متفاوتة أو لها أزمان محددة. ويقررون بأن الاستئذان لغير حاجة دليل على تهاون الموظف واستهتاره وتجاهله لأحكام الدين والعمل الذي يتكسب رزقه منه، فالأصل في الموظف أنه يخاف الله فيسعى للكسب الحلال، ويسعى لإنجاز العمل الذي يكلف فيه خدمة لدينه ثم مجتمعه ووطنه وإلا لما وضع في هذا المكان الذي يعمل فيهوالمدير أياً كان فإنه قدوة لموظفيه فعليه الانضباط في نفسه لكي يتسنّى له ضبط موظفيه وإنجاز أعمال.