عاش حي سيدي يوسف بن علي بمراكش يومي الجمعة 28 والسبت 29 دجنبر 2012 حالة احتقان كبيرة بسبب المواجهات التي اندلعت بساحة المصلى والدروب المجاورة بين قوات الأمن ومتظاهرين ضد «ارتفاع فواتير الماء والكهرباء». ولم يدم الهدوء النسبي في الساحة في الساعات الأولى من صباح أمس الأحد 30 دجنبر في ضل استمرار مرابطة عناصر محدودة من قوات الأمن حسب ما عاينته «التجديد». إذ سجل تطور مفاجئ عند الزوال حيث نظم عدد قليل من المتظاهرين مسيرة رفعت فيها الأعلام الوطنية متقدمين نحو رجال الأمن قبل تفريقهم بسرعة كبيرة بواسطة الدراجات النارية وتوقيف بعضهم فيما شوهد رمي الحجارة ولكن بشكل متقطع وخفيف. وكان عدد من الشخصيات المحلية المنتخبة سعوا إلى ثني المحتجين عن تنظيم مسيرة جديدة للمطالبة هذه المرة بإطلاق سراح المعتقلين مقترحة عليهم توجيه رسائل استعطافية، كما دخل مسوؤل أمني مع مواطنين في حوارات هامشية بالشارع العام عاينتها «التجديد» لكنها كانت بدون جدوى. وأوضحت مصادر متطابقة ل «التجديد» في حصيلة شبه نهائية للأحداث أن ستة أشخاص على الأقل أحيلوا على النيابة العامة بجنايات محكمة الاستئناف بمراكش لاستكمال التحقيقات، فيما أطلق سراح العشرات أغلبهم من القاصرين سلموا إلى أولياء أمورهم. ومن جهة أخرى غادر أغلب المواطنين ورجال الأمن المصابين في المواجهات المستشفى بعد أن استقرت حالتهم، كما عاد التجار إلى فتح محلاتهم بشكل تدريجي وحذر أيضا. و في تصريح ل»التجديد»، نفى مسؤول أمني وقوع أي وفاة خلال المواجهات. بداية المواجهات حسب المعلومات التي توصلت بها «التجديد» فقد دأب عدد من سكان حي سيدي يوسف بن علي على تنظيم وقفات احتجاجية كل يوم جمعة منذ عدة شهور بساحة المصلى أمام مقر الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء (راديما)؛ احتجاجا على عودة غلاء فواتير الماء والكهرباء وضد ما أسموه تنصل الوكالة من الاتفاقات المبرمة معهم، سواء تعلق الأمر بتزويدهم بعدادات أو بتقسيم المستحقات على طول سنة أو سنتين. وفي وقفة الجمعة الماضية حضرت قوات الأمن بكثافة لمنع مسيرة غير مرخصة كان المحتجون قد قرروا تنظيمها إلى مقر ولاية مراكش بعدما «فاض الكيل» حسب تعبيرهم، وفور تجمع المحتجين وبداية موعد المسيرة بدأ المحتجون يرددون النشيد الوطني تلاه صمت كبير، وكأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة، قبل أن «يختلط الحابل بالنابل» وتقع اصطدامات واسعة بين المحتجين ورجال الأمن لم يستطع أحد معرفة من بدأها أو التصريح بذلك. عنف و شغب بعد تلك الاصطدامات لجأ متظاهرون إلى رشق رجال الأمن بأكوام من الحجارة (البافي) أصيب بسببها العشرات (حوالي 52 من رجال الأمن وأقل من عشرة من المواطنين حسب مسؤول أمني) إصابات متفاوتة الخطورة نقلوا إثرها إلى مستشفيات عمومية، كما اقتحم مجموعة من المتظاهرين مقرا للشرطة الموجود بساحة المصلى القريب من مكان الاحتجاج ومن مقر راديما وعبثوا ببعض محتوياته، كما تم تجريد أحد رجال الأمن من ملابسه قبل إحراقها حسب شهود عيان، إضافة إلى تخريب سيارة أمنية صغيرة وقلب سيارة أمنية كبيرة، وإضرام النار في حاويات الأزبال. و استدعت القوات العمومية المزيد من الدعم كما استعملت خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين لكن بدون جدوى، كما لجأت إلى استعمال القنابل المسيلة للدموع بشكل مكثف اعتبر عشوائيا، حيث سقطت بعض القنابل فوق سطوح المنازل وأخرى داخل ثانوية ابن يوسف مما أدى إلى اختناقات وإغماءات في صفوف التلاميذ والتلميذات الذين كانوا يتابعون دراستهم بشكل عادي حسب تصريحات لأطر تربوية. تجدد المواجهات عمد أغلب التجار القريبة محلاتهم من ساحة المصلى؛ أول أمس السبت إلى إغلاق متاجرهم خوفا من حدوث خسائر، كما امتنع عدد من الآباء من إرسال أبنائهم إلى المدارس مما أربك السير العادي للدراسة. وتجددت المواجهات لكن بشكل أخف، وفي رد فعل مفاجئ وغير مسبوق تم حرق دراجة نارية لرجل أمن وإصابته بجروح بدرب العساس، كما عمدت بعض العناصر في أحد دروب سيدي يوسف ين علي إلى محاولة نزع عدادات الماء والكهرباء من بعض المنازل، بعضها دون استشارة أصحابها، مما أدى إلى مناوشات بين الطرفين، فيما شددت قوات الأمن الحراسة على المزود الرئيس للكهرباء بعد شيوع خبر نية البعض إحراقه من أجل تصعيب عمليات مداهمة البيوت ليلا، وهي المعلومات التي لم تتأكد منها «التجديد». من المسؤول؟ أجمعت عدد من التصريحات التي استقتها «التجديد» من مسؤولين أمنيين ومنتخبين ومتتبعين أن جهات حاولت الركوب على المطالب الاجتماعية للسكان من أجل تفجير الوضع وإحراج الحكومة، لكن لا أحد يريد أن يحدد هذه الجهات في انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات التي باشرتها المصالح المختصة. وفيما غاب المكتب المسير للمجلس الجماعي ومنتخبوه وممثلو السلطة المحلية عن أي مبادرة لإيجاد الحل، كان مدير الوكالة قد عقد لقاءات وصفت بالعقيمة لأنه تحدث فيها أكثر من الساكنة، وعلمت «التجديد» أن يونس بنسليمان، النائب البرلماني عن العدالة والتنمية، عقد لقاء مع بعض ساكنة سيدي يوسف بن علي واستمع إلى شكاياتهم ومطالبهم المتضمنة في بيان أصدروه بالمناسبة. وألح بنسليمان في تصريح ل «التجديد» على ضرورة حل المشكل من جذوره والإنصات إلى هموم الساكنة، مشيرا إلى أن هذه المطالب الاجتماعية يحاول البعض استغلالها لأهداف أخرى. وقال محمد الغلوسي،رئيس فرع الهيئة الوطنية لحماية المال العام فرع مراكش، في تصريح صحفي إن مطالب السكان اجتماعية وليست سياسية وأن من خرجوا للاحتجاج على غلاء الفواتير كانوا ضد حركة 20 فبراير. المطالبة بفتح تحقيق وتوصلت «التجديد» ببيان من فعاليات المجتمع المدني بسيدي يوسف بنعلي إلى الرأي العام، يطالب بفتح تحقيق قضائي لتحديد المسؤولين في المواجهة العنيفة التي تمت بين متظاهرين والقوات العمومية، و تستنكر فيه الاعتداء على رجال الأمن من قبل عناصر غير مسؤولة، كما تعلن فعاليات المجتمع المدني بسيدي يوسف بن علي والموقعة على هذا البيان؛ تضامنها المطلق مع الساكنة المحلية في مشكلة غلاء الماء والكهرباء مطالبة بالبحث عن حلول استعجالية لها. وسجل البيان استنكار الجمعيات للمقاربة الأمنية والاستعمال المفرط للقوة . ودعا البيان ساكنة المنطقة إلى المزيد من ضبط النفس والعمل على تحقيق المطالب المشروعة بطرق سلمية وحضارية، كما يطالبون الجهات المسؤولة بإطلاق سراح من أسموهم «الشباب المغرر بهم والذين اعتقلوا على خلفية هذه الأحداث».