لا ندري كيف تضطرب المعايير وتختل وتقام الدنيا ولا تقعد احتجاجا على مادة في مدونة الأسرة تجيز، وبصفة استثنائية، وتحت طائلة القيود التي يشترطها تقدير القاضي، زواج القاصرات بإذن من النائب الشرعي، في الوقت الذي تخرس الألسن، وتتوقف الهموم والانشغالات الحقوقية والنسائية حينما يتعلق الأمر بفضائح بورنوغرافية تنشر على صفحات المواقع الاجتماعية لقاصرات مغربيات أغلبهن تلميذات. فبعد فضيحة تصوير تلميذة قاصر بواد زم في أوضاع جنسية مخلة انتشرت صورها في يناير الماضي على الانترنت كالنار في الهشيم، تفجرت فضيحة جنسية أخرى على صفحات الفيسبوك بفاس، تم تصويرها في «الفضاءات العامة» وراحت ضحيتها فتاة قاصر يحتمل أنها تعرضت لعملية تخدير من طرف مرتكب هذه الجريمة. وفي مراكش، تم نشر صور خليعة لفتيات معظمهن تلميذات قاصرات، على صفحة في الفيسبوك، مما دفع أحد الأمهات إلى محاولة الانتحار عبر القفز من الطابق الرابع من العمارة التي تسكن بها بعد أن اكتشفت أن ابنتها كانت ضمن المعنيات بهذه الصور. هذا دون أن ننسى آلاف الصور البورنوغرافية التي التقطها الصحفي البلجيكي فيليب السرفاتي في مدينة أكادير لعشرات الفتيات والنساء بينهن قاصرات، والتي يحاكم لأجلها في بروكسيل هذه الأيام. المفارقة المبكية، في ظل سكوت غير مفهوم للمناضلين الحقوقيين والجمعيات النسائية، أن الهم الوحيد الذي يشغل بعض المقاربات هو أن يتم النجاح في إيجاد صيغ تقنية تمكن من حذف هذه الصور من مواقع الفيسبوك، كما ولو كانت عملية الحذف هذه ستنهي المشكلة من أساسها، وستوفر الحماية للقاصرات، وستنتهي عملية نشر هذه الصور، وستحصن صورة المغرب في الدخل والخارج ! طبعا، لا ينبغي الاستهانة بهذه الجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية، فحذف هذه الصور من شأنه حماية الناشئة وتجنب الكثير من ردود الفعل الخطيرة التي قد تؤدي إلى تفكك الأسر وتمزقها، كما أنه يحمي صورة المغرب وسمعته الأخلاقية. لكن هذا الجهد، على أهميته، لا يشكل إلا معالجة الأعراض الجانبية، بدليل أن وتيرة نشر الصور تتنامى وتطرد، وقد تصير سرعتها بوتيرة أكبر من قدرة الأجهزة الأمنية على المواكبة إذا لم يتم الانكباب على معالجة المشكلة من جذورها وبمقاربة شمولية مندمجة. إن الحالات الكثيرة من هذه الفضائح التي تم استعراض بعضها تؤكد بأن الأمر لا يتعلق فقط بممارسة الابتزاز والقسر في الاستغلال الجنسي للقاصرات، ولكنه أيضا يرتبط بصور من التواطؤ الممزوج بالتغرير، مما يعني أن جزءا من المسؤولية ملقاة على نوع البرامج التربوية والإعلامية التي يتلقاها النشء وتحفز على السقوط في هذا المستنقع. كما أن كثيرا من الحالات تبين أن الصور التي تم التقاطها، إما أخذت في أماكن عامة أو فنادق أو رياضات أو في شقق مخصصة لهذا الغرض، مما يعني أن ذلك يتم في غفلة عن المصالح المختصة أو بتواطؤ مع بعض المؤسسات الربحية، أو بسكوت مجتمعي. وتفيد أكثر الحالات أن ضحايا هذه الصور تلميذات، يتغيبن عن الفصل الدراسي، في غياب أي مراقبة من قبل الآباء ولا تنسيق بينهم وبين المؤسسات التعليمية. ما كنا ننتظره من الناشطين الحقوقيين المنشغلين حقا بحماية القاصرات وكذا الجمعيات النسائية، أن يرصدوا هذه الحالات في تقارير دقيقة، وأن يقوموا بدراستها حالة حالة، وأن يستنتجوا منها المداخل الضرورية لمعالجة ناجعة لهذه الظاهرة الخطيرة. فهل يمكن أن نتصور حلا لهذه المشكلة دون تنقية البرامج التربوية والتعليمية من كل العناصر التي تحفز على نسج العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، وهل يمكن أن نتصور نجاعة لأي مقاربة لا تحمي الناشئة من المنتوجات الإعلامية التي ترسخ ثقافة التطبيع الجنسي بين الجنسين، وهل يمكن أن نتحدث عن حماية للقاصرين في غياب مراقبة صارمة للآباء لأبنائهم مع تمكين الإدارة التربوية بالمؤسسات التعليمية بالوسائل الكافية للتواصل مع أولياء الأمور بخصوص انضباط أبنائهم؟ وهل يصدق أي أحد أن بالإمكان توفير الحماية للقاصرات في الوقت الذي تغيب فيه الرقابة على الفنادق والمقاهي ودور الضيافة، بل تغيب الرقابة حتى في الأماكن العامة؟ الأمل معقود على الناشطين في المجال الحقوقي والنسائي أن يغادروا المواقع الإيديولوجية التي تعيقهم عن التحرك في مجال حماية القاصرين بهذه الرحابة في التناول، وأن يتحرروا من الرؤى السطحية التجزيئية التي لا ترى مدخلا لحماية القاصرين إلا بمنع الزواج في سن أقل من 18 سنة!