أثار الهجوم الإعلامي السوري، ومعه الإيراني الرسمي، غير المسبوق على خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية «حماس»، الأسبوع الماضي، ردود فعل غاضبة عربيا وإسلاميا. واستغربت تلك الردود التي صدرت من زعماء حركات إسلامية وشخصيات دعوية وأكاديمية الهجوم على مشعل بسبب موقفه المعلن والداعم لمطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة والمستنكر لجرائم نظام «الممانعة» الذي يذبح الشعب، واعتبر بعضهم ذلك جزءًا من «آلة القتل الفتاكة» التي تورط فيها النظامان السوري والإيراني حيال الشعب السوري الأعزل. وكان الإعلام السوري قد اتهم مشعل بالجحود بعد أن فتحت له دمشق أبوابها قبل عقد من الزمن، زاعمة أنه باع المقاومة من أجل السلطة. وغادرت قيادات حركة حماس العاصمة السورية دمشق حيث كان يقع مكتبها الرئيسي قبل عدة أشهر، بعد أن أوغل نظام بشار الأسد في دماء السوريين المطالبين بالحرية والديمقراطية، وأخفق في محاولته انتزاع موقف معلن من «حماس» يدعم ويزكي مجازره وجرائمه البشعة اليومية التي يرتكبها ضد الشعب الأعزل. رد «حماس» وأعلنت حركة «حماس» ترفعها عن شتائم نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وذكر مصدر مسؤول في «حماس»، في بيان له، «إننا في حركة حماس نعبر عن الأسف الشديد لما أورده التلفزيون السوري الرسمي من هجوم وشتائم على الأخ خالد مشعل رئيس الحركة، وعلى الحركة نفسها». وأضاف بيان حركة «حماس»، التي كانت قيادتها تقيم في دمشق لسنوات قبل أن تغادرها إثر خلافات في المواقف المبدئية بينها وبين السلطات على خلفية قمع السلطات السورية للحراك العام المنتفض في وجهها، أن «حركة حماس الملتصقة بشعبها ومقاومته وحقوقه إذ تنأى بنفسها عن الدخول في أية مهاترات إعلامية، فإنها ستبقى مع أمتها العربية والإسلامية وتطلعات شعوبها في الحرية والكرامة والديموقراطية». وكان خالد مشعل قد أكد أن حركته لا تنسى من دعمها ووقف إلى جانبها، «لكنها لا يمكن أن تساوم على دماء أمتها»، وذلك في إشارة إلى موقف الحركة من ثورة الشعب السوري. وقال مشعل، في كلمة له خلال فعاليات الاحتفالية الكبرى بذكرى تحرير القدس على يد القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي في مصر الأربعاء الماضي، تحت عنوان «على خطى صلاح الدين»: «لا يمكن إلا أن نكون مع تطلعات الشعوب للحرية ولا يمكن أن نساوم على دماء أمتنا»، متابعًا حديثه بالقول: «أفضل حماية للمقاومة هو إعطاء الشعوب حقوقها». الحمداوي: «مشعل» اختار الوفاء للحرية في المغرب، استغرب رئيس «حركة التوحيد والإصلاح» المهندس محمد الحمداوي الهجوم على مشعل بسبب موقفه الداعم لمطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة ومطالبته بوقف نزيف الدم السوري، وأكد أن موقف مشعل يمثل قمة الوفاء للمبدأ وللقضية الفلسطينية وللشعب السوري. ووصف الحمداوي في تصريحات لوكالة «قدس برس» موقف مشعل من الأزمة السورية بأنه «غاية في الاعتدال والتوازن.. وقد أكد مشعل وفاءه لسورية، لكن أن ينتقل الوضع إلى هذا المشهد من التقتيل فإن الوفاء يجب أن يكون للحرية والكرامة وللشعب السوري». وأضاف: «نحن التقينا مشعل هنا في الرباط وهو لا ينكر ما قدمته سوريا، نظاما وشعبا، للقضية الفلسطينية وللمقاومة ولحركة حماس، ولكن هذه دماء وأرواح، ومن المبادئ أن ينحاز مشعل إلى المبادئ وإلى الإنسان.. وأعتقد أن موقف النظامين السوري والإيراني المعارض لمطالب الشعب السوري هو الخطأ، إذ أنه لا يمكن اعتبار مساندة نظام يذبح شعبه بأنه صحيح». وأضاف الحمداوي: «حين ينحاز مشعل للشعب السوري فهو ينحاز لكل معاني المقاومة والممانعة، فأساس الممانعة أن يكون الشعب حرا، وبالتالي لا تناقض بين مشعل كقائد للمقاومة ضد الاحتلال الصهيوني ومشعل المساند لشعب يريد أن يتحرر من الاستبداد. لقد وقف مشعل إلى جانب الشعب السوري الرافض للاستبداد وهذا هو الموقف الأصيل عند الأمة، وهو جوهر ثورات الكرامة التي تعم المنطقة العربية في السنوات الأخيرة». الغنوشي: «مشعل» قائد أشرف ثورة وفي تونس، انتقد رئيس حركة «النهضة» التونسية الشيخ راشد الغنوشي بشدة الهجوم السوري الإيراني على رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، وأكد أن الإساءة إلى مشعل «لا تخدم إلا أعداء الأمة». ونقلت وكالة «قدس برس» عن الغنوشي قوله إن وقوف رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل إلى جانب الثورة السورية خطوة سليمة، وقال: «خالد مشعل قائد أشرف ثورة وأشرف حركة وطنية في العالم، وهو يقود القضية المركزية للأمة، وهو على رأس قيادة أشرف قضية وأعدلها، والهجوم عليه لا يخدم إلا أعداء الأمة». وأضاف: «لم نعلم أن خالد مشعل أنكر جميلا أُسدي إليه، فهو لم ينكر فضل النظام السوري ولا فضل النظام الإيراني عليه، لكن من واجب كل من يقود ثورة أن ينتصر لثورة أخرى». ودعا الغنوشي النظام الإيراني إلى نصرة الثورة السورية، وقال: «نحن كنا ننتظر من النظام الإيراني، الذي هو سليل ثورة أن يقف إلى جانب الثورة السورية، وهذا ما قلناه للإيرانيين مباشرة، قلنا لهم أنتم ثمرة ثورة، وأنه لا فرق بين نظامي الشاه وبشار الأسد». وقلل الغنوشي من أهمية تأثير الهجوم الإيراني والسوري على خالد مشعل في المقاومة الفلسطينية، وقال: «المقاومة تلقت أكبر دعم لها في اندلاع الربيع العربي، وهذا سبب حالة الرعب التي يعيشها الكيان الإسرائيلي. الثورة الفلسطينية ثورة عريقة وعميقة وممتدة في الأمة وطويلة النفس، ولطالما تعرضت لهزات ومحن ولكنها كانت أقوى منها، ولذلك فستنتصر بإذن الله». ورأى الغنوشي أن الثوررة السورية اقتربت من تحقيق النصر، وقال: «النظام السوري الآن يعيش بالدعم الخارجي، وهذا لا يمكن أن يعطي الشرعية لأي نظام ولا يمكن أن يشكل ضمانة للانتصار، لا أحد يشك أن في سورية ثورة عميقة شملت كل المدن والقرى والأرياف السورية، ولا يمكن لحد السيف أن ينتصر على ثورة هذا الشعب، لذلك فإن نصره قريب بحول الله تعالى». الفرحان: «مشعل» مناضل أمين وفي الأردن، انتقد القيادي الإسلامي الأردني الدكتور إسحق الفرحان الهجوم «السوري الإيراني» على خالد مشعل، ورأى أنه لا يخدم إلا «إسرائيل». وقال الفرحان «خالد مشعل وأمثاله متفرغون للقضية الفلسطينية، وهم يشكرون الناس الذين يساعدونهم، لكن ليس بالضرورة أن يقفوا إلى جانب المواقف الرسمية لتلك الدول دوما. وهذا ليس فيه أي خيانة. خالد مشعل على رأس الوطنيين الذين يدعون إلى حقن الدماء في سوريا، ويرون بأن إراقة الدماء والوقوف ضد الشعوب يضر بالقضايا المصيرية للأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية. فسوريا لا تستطيع أن تقدم شيئا للقضية الفلسطينية إذا لم تكن مستقرة ومسالمة مع شعبها»، وفق ما نقلت عنه وكالة «قدس برس». وأضاف: «خالد مشعل مناضل مخلص أمين وليس عبدا مأمورا لأي نظام عربي، بل كل الأنظمة العربية يجب أن تقاس مصداقيتها بمدى دعمها للقضية الفلسطينية». خبراء: «مشعل» رمز للنضال الصادق وفي سياق ذي صلة، وصف مسؤول موقع «الوسطية» في الإسلام الباحث السعودي في شؤون الفكر الإسلامي الدكتور محسن العواجي الهجوم السوري الإيراني على خالد مشعل، بسبب مناصرته للثورة في سورية، بأنه «وسام شرف على جبين مشعل». وأكد العواجي في تصريحات صحفية بحسب «قدس برس» أن وقوف مشعل إلى جانب الثورة السورية هو تأييد للحق والعدل وخشية لله من مشعل، وقال: «أي تخوين يصدر من النظام السوري وحليفه الإيراني ضد رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل هو وسام شرف على جبين مشعل، الذي يمثل رمز النضال الشعبي الصادق، لأنه لما وضع القضية السورية في الميزان لم يساوم على دينه ولا على عروبته ولا على إنسانيته» ودعا العواجي العالم العربي والإسلامي إلى الوقوف إلى جانب المقاومة الفلسطينية ورجالاتها. بدوره، وصف أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السعودية الدكتور خالد الدخيل انحياز رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» لمناصرة مطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة ووقف نزيف الدم، بأنه «التصرف الصحيح في الوقت الصحيح». وأكد الدخيل في تصريحات لوكالة «قدس برس» أن مشعل رجل مقاوم وسياسي في آن، وإن انحيازه للشعب السوري هو تحييد للمقاومة من أن تكون طرفا لقتل الشعب السوري، وقال: «اتهام النظام السوري لأي شخص لا يعتبر نقيصة، ومن ذلك اتهامه لخالد مشعل، بل بالعكس هو شهادة، لأنه نظام مجرم حقيقة قتل من الشعب السوري ما لم تقتله إسرائيل طيلة خمسين سنة. هذا النظام يأتي ليحدثنا عن مشعل ويتهمه بالخيانة والجحود، هذه شهادة من نظام انتهى بكل المعايير». وتابع: «خالد مشعل رجل مقاوم، وهو أيضا رجل سياسي وهو كان يعرف أن السوريين والإيرانيين يستخدمون المقاومة شعارا لتحقيق مآربهم، لكنه كان مجبرا لاستخدامهم أيضا بسبب الضعف العربي، وأعتقد أن موقفه الحالي الذي أعلن عنه في مؤتمر حزب العدالة والتنمية موقف حكيم وعاقل، فهذا التصرف صحيح ويأتي في الوقت الصحيح، وما كان لمشعل إلا أن يقف هذا الموقف». من جانبه، انتقد رئيس المجلس الإسلامي في الدنمارك عبد الحميد الحمدي بشدة الهجوم الإعلامي السوري والإيراني ضد مشعل، واعتبر ذلك جزءًا مما وصفه ب»آلة القتل الفتاكة» التي قال إن «النظامين السوري والإيراني متورطان فيها حيال الشعب السوري الأعزل». وأشاد الحمدي بموقف رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» الذي عبر عنه بوضوح في المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا لجهة انحيازه للشعب السوري. بدوره، امتدح أستاذ العلوم السياسية بالجامعات القطرية الدكتور محمد المسفر وقوف رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» خالد مشعل إلى جانب الثورة السورية، ووصف التحالف السوري الإيراني بأنه «تدميري هدفه إبادة الشعب السوري». ورفض المسفر ما جاء في بعض وسائل الإعلام السورية والإيرانية تجاه رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل. أصل "الحكاية" وكان التلفزيون السوري قد شن هجوما غير مسبوق على خالد مشعل، على هامش نشرته الإخبارية المسائية الاثنين الماضي، واصفا إياه بأنه «مقاوم مشرد»، واتهمه بالجحود بعد أن فتحت له دمشق أبوابها قبل عقد من الزمن وقال إنه «باع المقاومة من أجل السلطة». وأضاف التلفزيون: «إن سوريا ليست نادمة لأنها لم تفعل ما فعلت لتنتظر وفاء أو جميلا أو شكورا فقد فعلت ما رأت أنه واجبها القومي والوطني مع مقاوم مشرد وفرت له ولرفاقه كل الدعم لمواصلة مقاومتهم». وأضاف «أن سوريا فرحة بأن يغادرها من باع المقاومة بالسلطة، إن ما جعل لكم مكانة عند شعب فلسطين كان خياركم المقاوم وليس هويتكم الإخوانية وستكتشفون ذات يوم أن من ينام بين المقابر سيرى المنامات الموحشة وستتذكر ذات يوم أن مشهدكم في مؤتمر (رئيس الوزراء التركي رجب طيب) أردوغان كان كحجار المقابر يسند بعضها بعض وكل منكم يحتاج من يسنده». وكان مشعل شارك في مؤتمر حزب العدالة والتنمية في تركيا برفقة الرئيس المصري محمد مرسي ورئيس قرغيزستان ألمظ بيك أتامباييف ورئيس منطقة كردستان العراق شبه المستقلة مسعود البارزاني. وقال التلفزيون «بئس ما قال على منبر حزب أردوغان كشريك في الحملة الانتخابية لأردوغان بعد إنجازه لصداقات صفر مع الجيران من أرمينيا إلى إيران والعراق وسوريا واليونان». وأضاف «يستنجد أردوغان بفرقة الطبالة التي ضمت (الرئيس المصري محمد) مرسي ومشعل فذلك إقرار بما نشرته الصحف التركية عن تدني شعبيته من 53 % إلى 27 % فقط». بحسب زعمه. وألقى رئيس وزراء تركيا، رجب طيب أردوغان، كلمة مطولة في افتتاح المؤتمر تناول فيها الملف السوري، قائلاً إن على روسيا والصين وإيران «إعادة النظر» بمواقفها إزاء ما يجري في سوريا، ومذكّراً بأن التاريخ «لن يسامح من ساند هذا النظام الظالم». أما مشعل، فقد رحب بثورة الشعب السوري، وقال: «رحبنا بثورة مصر وتونس وليبيا واليمن، ونرحب بثورة الشعب السوري نحو الحرية والديمقراطية، ونريد أن يتوقف سيل الدماء الزكية من هذا الشعب. لا تعارض بين أن نتبنى الديمقراطية والإصلاح وبين دعم المقاومة». وتابع مشعل، الذي كانت حركته من بين أبرز حلفاء دمشق قبل أن يظهر التباين بينهما على خلفية الأحداث «نحن مع تطلعات الشعوب نحو الحرية والعدالة والديمقراطية والكرامة والاستقلال الحقيقي». وتفاقمت الخلافات خلال الأشهر السابقة بين قيادات في حركة حماس، والنظام السوري، بعد رفض الحركة تأييد قمع الاحتجاجات في سوريا، ما دفع السلطات السورية إلى اعتقال أفراد في عائلة مشعل، واستدعاء آخرين للتحقيق معهم بتهم الفساد المالي، قبل أن يغادر الأخير دمشق. وخلال شهر يونيو السابق، اغتيل المسؤول العسكري في حركة حماس في سوريا كمال حسني غناجة، الملقب بنزار أبو مجاهد، في ضاحية دمشق، وسط تضارب الأنباء حول المسؤولية عن مقتله، فيما اتهمت جهات النظام السوري بالمسؤولية عن قتله والتمثيل بجثته. وكانت المعارضة السورية، بهية مارديني، قد أكدت في تصريحات سابقة ل»العربية.نت» أن مقتل أبو مجاهد، كان رسالة إلى حماس عبر أحد كوادرها المهمة والسرية، بعد يأس النظام من دفع قيادة حماس لموقف داعم له، في حين ظهرت إشارات كثيرة خلال تواجد حماس في دمشق بتأييدها للثورة السورية.