“ثلاثي الهراء" بحسب تلفزيون بشار الأسد هم أردوغان، محمد مرسي، خالد مشعل. وقد جاء ذلك في تعليق مصاغ بعناية بثه التلفزيون السوري، وبالطبع تعليقا على حضور مشعل ومرسي لمؤتمر حزب العدالة والتنمية التركي، وكلمة كل منهما في المؤتمر. لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل وصف التعليق مشعل ومرسي بأنهما “فرقة الطبالة" التي استعان بها أردوغان لكي يحسن بها شعبيته المنهارة. كذا!! ولم ينس بالطبع تذكير مشعل باحتضان النظام له يوم كان “مقاوما يتيما"، “يتشرد ويتسكع في الأجواء" قبل أن تفتح له سوريا الأبواب. ثم أضافت حكاية سخيفة تتمثل في أنه يدفع ثمن وعود له برئاسة السلطة!! كان لافتا بالطبع أن يتزامن هجوم تلفزيون بشار مع مقال لكاتب إيراني مقرب من السلطة يرسل ذات الرسالة، ويتحدث بذات اللغة، الأمر الذي يعني أن الهجمة على حماس ستشمل المعسكر الإيراني برمته. كلمة مرسي كانت استمرارا للمواقف التي اتخذها الرجل حيال الثورة السورية منذ أسابيع، فيما انطوت كلمة مشعل في مؤتمر حزب العدالة والتنمية على تطور لافت بتسميتها لما يجري بالثورة السورية، وانتصارها لعذابات الشعب السوري. جاء التطور في موقف حماس بعد أن لم يعد بالإمكان الإبقاء على الموقف السابق، وبالطبع بعد وصول الإجرام الأسدي مستويات غير مسبوقة في التعامل مع الثورة، والأهم مع سوريا بلدا وشعبا، حيث بدأ عملية تدمير شامل للبلد يعكس يأسا من البقاء في السلطة. من الطبيعي أن يقول شبيحة الأسد في الداخل والخارج: إن حماس قد نقلت سلاحها من كتف إلى كتف، وأنها قد تخلت عن خيار المقاومة وانحازت لخيارات الانبطاح العربية، متجاهلين أن التحولات التي مرت بها الحركة منذ انتخابات عام 2006 هي ذاتها لم تتغير. لا خلاف على أن بوصلة القضية، ومن ضمنها الحركة تبدو تائهة بالفعل بعد تحولات الأعوام الأخيرة وحشر حماس في القطاع مقابل عبث عباس بمسار القضية ضمن خيارات التفاوض العبثية، لكن ذلك لا صلة له البتة بموقف حماس الجديد من الثورة السورية، ولا حتى القديم ممثلا في الخروج من سوريا رغم كلفته الباهظة عليها. لقد كانت حماس وفية للشعب السوري الذي احتضنها بدفء وعناية خلال سنوات طويلة، وحين جرى دمه غزيرا في الشوارع قبل أن يطلق أبناؤه رصاصة واحدة ضد النظام، لم يكن بوسعها السكوت أو البقاء في سوريا مانحة النظام بعض الشرعية التي يتغنى بها ممثلة في احتضانه للمقاومة وتبنيه للممانعة كخيار سياسي، وهي الشرعية التي يستخدمها ضد شعبه. لم تنكر الحركة ما قدمه لها النظام من دعم، لكنها كانت أمام مسارين؛ إما أن تكون وفية لمبادئها في الوقوف إلى جانب الشعوب الأكثر انحيازا لفلسطين وقضيتها، أو أن تنحاز لنظام يقتل شعبا لم يخرج ضد المقاومة ولا الممانعة، وإنما خرج يطلب الحرية والكرامة أسوة بأشقائه العرب الآخرين. لقد حاول النظام أن يصنف خروج السوريين ضده بوصفه مؤامرة على المقاومة والممانعة، لكن حماس التي عرفت شعب سوريا لم يكن لها أن تصدق هذه الرواية البائسة، وهي قدمت له نصائح كثيرة بضرورة استيعاب الوضع من خلال إصلاحات تقنع الناس، لكنه أبى واستكبر وظل سادرا في غيه يقتل الناس بلا حساب. إنها قضية مبدأية وأخلاقية، قبل أن تكون سياسية، وقد اتخذت حماس موقفا جريئا من الثورة حتى قبل تركيا ذاتها، إذ مضت شهور قبل أن يغير الأتراك موقفهم وينحازوا للثورة، بينما رفضت حماس رفضا قاطعا استخدامها في الدعاية للنظام وبدأت ترتيبات خروجها التدريجي؛ هي التي أدركت منذ البداية أن الشعب السوري لن يتراجع عن ثورته. كيف تكون مع فلسطين وتحررها، ومع نظام يقتل شعبه في آن؟! كيف لا ترى الصهاينة وهم يقولون لأسرى فلسطين إبان إضرابهم عن الطعام: سنرسلكم إلى سجون بشار الأسد لكي تروا النعمة التي تتقلبون فيها؟! لقد قدمت حماس القيم والأخلاق والمبادئ على المصالح الآنية، كما اختارت أن تكون مع بوصلة الأمة التي تشير إلى دمشق وحلب وباقي المدن السورية التي تتعرض لتدمير على يد النظام المجرم. وهو موقف سيذكره لها السوريون وجمهور الأمة.