لا شك ان للإعلام رسالة وطنية وإنسانية في المجتمعات تتمثل في نشر الحقائق وتنور الرأي العام بالأخبار الصحيحة والمعلومات المفيدة.إضافة إلى ممارسة الدور الرقابي على نظام الحكم والتنبيه الى أخطاء الحكام، بشكل موضوعي ودون إفراط ولا تفريط، كل ذلك من أجل تحقيق حكم رشيد يخشى الرأي العام فلا ينحرف عن المصلحة العامة لحساب أجندات خاصة أو لصالح فئات معينة في المجتمع. من هذا المنطلق نتساءل هل يقوم اعلامنا بهذا الدور تجاه الحكومة الحالية والحزب الذي يقودها؟ أم أن له أجندة خاصة من خلال إرادة صنع الصورة ؟ لا يجب ان يفهم من هذه الكلمات التملق للحكومة او لرئيسها ،فهذا المقال عصارة متابعة يومية لما تنشره الصحافة وتذيعه بعض المحطات، ولدت حالة من الخوف والقلق على مصير الوطن، لأنه حين تغيب الموضوعية وقول الحقيقة كاملة وليس جزءا منها فقط لتحقيق أهداف محددة سلفا ينذر بإشعار المواطن بالإحباط وبالصدمة من الفاعلين السياسيين، الشيء الذي يفقد العملية السياسية برمتها معناها ولاشك ان دلك من شأنه تدمير الوطن وخرم سفينته. لقد تعرض ولا زال يتعرض حزب العدالة والتنمية لهجوم إعلامي ضار تقوم به أذرع إعلامية وسياسية تمثل جهات متعددة، وتستعمل هذه الاذرع كل الوسائل الاعلامية المتاحة ، التلفزيون، الإذاعات والصحافة المكتوبة والالكترونية التدخلات البرلمانية...ودخل على الخط أخيرا بعض الفنانين المستفيذين من حالة الفساد والتسيب الذي تعرفها بعض الاقطاب الاعلامية العمومية. تماما كما وقع في مصر حين ايد عشرات الفنانين الرئيس المخلوع مبارك قبل وبعد عزله لأنهم كانوا يستفيدون من مناخ الفساد الذي نخر الدولة المصرية فأدي بالشعب الى الثورة. تنتمي هذه الاذرع الاعلامية الى مختلف الحساسيات والمشارب وأصحاب المصالح والسلطة والنفوذ الذين يرعبهم نجاح العدالة والتنمية في قيادة الحكومة وتحقيق النجاح، وتستعمل هذه الأذرع كل وسائل التحليل الاحادي التي يحضر فيها المدعي ويغيب عهنا المدعى عليه، كما تلجأ الى الذم المستمر للحكومة ويبلغ الأمر ببعض هذه المنابر ان تختلق اخبارا لا اساس لها من الصحة أو تحرف تصريحات وأحداثا، وإبراز ذلك في عناوين مضللة بحيث ان من يكلف نفسه قراءة المقال كاملا لا يجد أي فكرة أو رأي يعبر عنه العنوان. ومن البلايا التي ابتلي بها بعضهم هو قراءة العناوين دون أن يكلف نفسه قراءة المقال حتى نهايته، فنحن شعب نسرف في كل شيء ولا نبخل إلا في أمر واحد وهو القراءة وتحصيل المعرفة. لذلك جاءت نسب القراءة في مجتمعنا مقارنة مع المجتمعات الغربية مثيرة للخجل . في احدى القنوات الإذاعية المرخص لها باللغة الفرنسية يطل علينا يوميا محللان فرنسيان رجل وامرأة ومنشط مغربي ومنذ اليوم الأول الذي اعلن فيه عن احتلال حزب العدالة والتنمية للمرتبة الأولى في الانتخابات الى اليوم لم يتركوا شيئا سلبيا إلا قالوه عن هذا الحزب، و حركة التوحيد والإصلاح وقالوا فيهما ما لم يقله مالك في الخمر، ولا يكلف أصحاب هذه المؤسسة انفسهم اخذ رأي من يتحدثون عنهم للدفاع عن أنفسهم، في إطار حق الرد. ونفس النهج سارت عليه القناة الفرنسية الناطقة باللغة العربية France24 حين انتهكت أبسط قواعد العمل الإعلامي لما استضافت عضوا في حزب الأصالة والمعاصرة وصار يكيل التهم ويضرب ذات اليمين وذات الشمال ضد الحكومة ورئيسها لمدة نصف ساعة لوحده دون ان تكلف القناة نفسها الاستماع الى وجهة النظر الأخرى. في الهجوم على الحكومة ورئسها وحزب العدالة والتنمية كل شيء مباح، تحميل المسؤوليات الجسيمة عن بعض الحوادث، تلفيق التهم الكاذبة، لي أعناق تصريحات رئيس الحكومة والوزراء وقادة الحزب، محاولات محمومة لدق الإسفين بين رئاسة الحكومة والمؤسسة الملكية من جهة وبين هذه الأخيرة، فبركة الأخبار أحيانا ....والغريب أن ذلك يتم على ألسنة بعض السياسيين. ويصل الأمر ببعض المنابر الاعلامية الى درجة التحريض الذي يجعل حياة بعض المسؤولين في خطر. وحتى اذا تبين كذب بعض الاخبار فإن لغة التبرير والتحوير حاضرة عند دهاقنة الاعلام: لنقرأ مثلا هذا الخبر الذي نشرته جريدة حزبية معروفة على لسان أحد الاشخاص الذي يوصف بأنه نافذ:«سفر بنكيران للسعودية على نفقتها تهديد لسيادة المغرب ولم يحدث هذا حتى زمن بن عرفة صنيعة فرنسا». وبعد ان تبين كذب هذه المعلومة نشر موقع الكتروني كان نقل ذلك التصريح عن الجريدة المذكورة واحتفى به ما يلي:» لهذه الأسباب تكفل الملك محمد السادس بمصاريف رحلة عمرة رئيس الحكومة والمعارضة ترد عبر كود «الملك تدخل لقطع الطريق امام دول اخرى للتكفل برحلة بنكيران الذي أقام رغم ذلك بقصر الضيافة» وكان ذات الموقع نفسه قد نسب الى الشخص المذكور كلاما بذيئا تجاه نائب برلماني عن حزب العدالة والتنمية نترفع عن نقله. يخال إلي وأنا أقرأ مثل هذه الاخبار ان واضعي هذه العناوين قد جاءوا من كوكب آخر، ولم يخالطوا الناس ليتعرفوا عليهم، وكأنهم يتصورون قراءهم أغبياء يفتقدون الى الذكاء اللازم ليكتشفوا الكذب والبهتان الذي يفتريه القائمون على بعض هذه المنابر. ولم يستفذ هؤلاء من تجاربهم القريبة التي راهنت على الحملة الاعلامية المنظمة لإسقاط حزب العدالة والتنمية فما زاده ذلك إلا قوة وتألقا في نظر المواطنين فصوتوا عليه بنسبة معتبرة. بعض المنابر الاعلامية تفتق ذهنها لفكرة غاية في الغرابة، وهي فتح المجال أمام صحفيين متدربين قصد اثبات جدارتهم في الكتابة والتمرن على الصحافة من خلال انتقاد رئيس الحكومة فصارت الصفحات ملأى بصور شبان مغمورين بالكاد يتمون الجمل بشكل صحيح يقولون كل ما يحلو لهم عن الحكومة ورئيسها وحزب العدالة والتنمية. فمادام هذا الحزب هو الذي يقود الحكومة فكل شيء يجوز ان يقال بحقه وبأي طريقة، وكل تهمة جاهزة يجوز ان تلصق به، فقد اختار ان يسبح ضد تيارات متعددة. لذلك قد يخسر حزب العدالة والتنمية بعض رصيده لكنه لن يخسر كل الرصيد لسبب بسيط هو ان الذين يقصفونه اليوم ليسوا سوى من كانوا ولا يزالون متحكمين في مفاصل السلطة والإعلام وهم المسؤولون عن الأزمة، ولا يتصور ان يتخلى المواطن المغربي عن حزب واضح الخطاب نقي السلوك ليعيد المفسدين الى مواقعهم. إنه الضرب تحت الحزام كما قال رئيس الحكومة أمام البرلمان، بوابل من الصفات والتعليقات والعناوين، حتى أن المتابع يخرج بالانطباع بأن مشاكل المغرب منذ الاستقلال يتحملها حزب العدالة والتنمية والحكومة الحالية التي لم يمض على تنصيبها سوى اقل من ثمانية أشهر، أو على الأقل على هذه الحكومة عاجزة عن حلها في هذه المدة القصيرة. لهذا فالحزب «الحاكم» متنكر لوعوده الانتخابية وخدع الجماهير التي صوتت عليه لذا يجب ان يقدم استقالته من العمل الحكومي وينمحي من الوجود. ويستمر القصف الاعلامي دون أدني مستويات المسؤولية واستحضار للمصلحة الوطنية التي من المفترض أن تكون المعيار التي يقيس بها الجميع كل حكم او خبر أو كلمة يريد ان يعلنها. لا يجب أن يفهم مما قيل ان الحكومة ورئيس الحكومة معصومان أو أنهما لا يخطئان لكن ثمة فرق شاسع بين النقد الباني الهادف والموضوعي وبين ارادة التضخيم والإطاحة بتجربة فتية تؤسس لعصر ديموقراطي جديد إذا نجح فانه نجاح للمغرب ككل، وإذا فشلت فان البلاد ستكون على كف عفريت لا يعلم إلا الله ما ينتظرها في مستقبل الأيام... إن ما يحدث اليوم ليس معزولا عما يقع على المستوى العربي بعد الثورات الاخيرة التي اعقبتها انتخابات ديموقراطية نزيهة استفاد منها الاسلاميون المعتدلون الذين ترأسوا الحكومات في كل من تونس ومصر والمغرب، وكأن صناع القرار على المستويين المحلي والدولي اخذوا على حين غرة لذلك قرروا استعادة المبادرة وإقصاء الإسلاميين عن السلطة بعد تسديد الضربات الاعلامية إليهم، لقد أصيب الرئيس التونسي بالصدمة ازاء الصورة التي تنتشر عن بلاده في فرنسا، وذلك في مقابلة نشرها الموقع الالكتروني لصحيفة لوفيغارو. فاصغر حادث ليس له اي اثر على المجتمع التونسي، في نظره يتم تضخيمه، وتلعب بعض وسائل الاعلام التونسية وبعض السياسيين المعارضين دورا سلبيا في ذلك. وفي مصر يعاني رئيس الدولة والبرلمان والقضاة المستقلون وغيرهم... من حملة اعلامية شرسة تقوم بها صحف محسوبة على التيارين اللبرالي واليساري...ويكفى متابعة عناوين الصحف المصرية وبرامج التوك شو التي تبتها القنوات المصرية للخروج بصورة مشوهة عن الرئيس المصري وجماعة الاخوان المسلمين. إن سوء استخدام الاعلام يهدد بفقدان المصداقية، لأنه بدل أن يسلك طريق المصداقية والمسؤولية فقد قررت بعض المنابر الارتهان لجهات لا تخفى اجندتها التحكمية ونزعتها النكوصية للعودة إلى الماضي القريب، لكن هيهات فالقطار يسير بسرعة يستحيل معها إرجاعه إلى الوراء وكل ما يمكن ان يسفر عليه هذا السلوك هو قلب القطار وتحطيمه ليؤذي بحياة الجميع قبل الوصول الى محطة الوطن.