لا تزال صورة امرأة قروية في حالة مخاض يحملها رجال على لوح خشبي لإيصالها إلى أقرب مستوصف حيث تجد العناية الطبية اللازمة لوضع جنينها ولتنجو من مصير محزن قد ينتظرها، لا تزال هذه الصورة وغيرها حية في أذهان المغاربة جميعهم وقد كشفت معاناة النساء القرويات اللواتي يعشن في قرى وبوادي وجبال تنعدم فيها البنية التحتية وتتدنى الخدمات الصحية وكل وسائل العيش الكريم، وفي ظل هذا الوضع فإنه من الطبيعي أن يكون مصير العديد من النساء والمواليد الموت حين لا تجدن أثناء حملهن وخلال وضعهن مراقبة صحية مهنية ومحترفة خاصة تلك الحالات المعقدة والتي تتطلب متابعة طبية قبل الوضع وبعده. وتكشف الأرقام الرسمية أنه من بين 100 ألف امرأة تلد في العالم القروي تفارق 148 منهن الحياة مقابل 73 وفاة لكل 100 ألف حالة ولادية في العالم الحضري حيث تكون الخدمات الصحية أفضل ومتوفرة. أسباب هذه الوفيات معروفة لدى صانعي القرار بالمغرب وقد كشفتها الدراسة الوطنية التي أجريت سنة 2009 لتحديد أسباب وفيات الأمهات ومن هذه الأسباب الرئيسية تدني الخدمات الصحية في الوقت الذي يفارق الأطفال الحياة بعد ولادتهم بسبب ولادتهم قبل الأوان وبسبب ضعف الوزن والاختناق المولدي والتعفنات. تخفيض وفيات الأمهات والأطفال جزء من أهداف الألفية للتنمية وخاصة الهدفين الرابع والخامس، وزارة الصحة في عهد ياسمينة بادو تعهدت - وفقا للتصريح الحكومي- في الفترة 2008-2012 بتقليص نسب وفيات الأمهات إلى 50 وفاة في كل 100 ألف في أفق 2012 وكذا تقليص وفيات الأطفال إلى 15 وفاة عن كل ألف في أفق 2012. لكن هذه التعهدات لم تتحقق خلال الأربع سنوات الماضية، وهذا ما كشفت عنه مؤشرات رسمية لوزارة الصحة لسنة 2011 إذ في كل 100 ألف ولادة حية تموت 112 امرأة، وفي كل ألف ولادة حية يموت 30 طفلا. المؤشرات التي كان يفترض الوصول إليها في مخطط وزارة الصحة في الفترة 2008-2012 تم بلورتها من جديد في خطة العمل الجديدة 2012-2016 وبدوره تعهد وزير الصحة الحالي بالتقليص من وفيات الأمهات إلى 50 في كل 100 ألف ولادة في سنة 2016 وبلوغ 20 وفاة لكل ألف ولادة حية في صفوف الأطفال الذين يقل عمرهم عن 5 سنوات. أرقام الوفيات قدم الدكتور علوي بلغيتي مدير المستشفيات عرضا خلال إطلاق خطة العمل الجديدة للتقليص من وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة، حول الوضع في المغرب وفي العالم بخصوص هذا الموضوع. وكشف الدكتور علوي أن 1775 امراة مغربية تحمل يوميا، وتحتاج 266 منهن تدخلا طبيا مستعجلا خلال الوضع وفي المحصلة فإن امرأتين تموتان يوميا. وبخصوص الأطفال، أشار البلغيتي إلى أن 54 طفلا ممن يقل سنهم عن خمس سنوات يموتون يوميا في المغرب 51 منهم يموتون قبل بلوغهم سنة واحدة و33 يموتون قبل استكمالهم الشهر الأول بعد الولادة وهم يشكلون 62 بالمائة من الوفيات الأطفال. واستنادا إلى نتائج دراسة أنجزت سنة 2011 في المستشفيات الجامعية حول الأسباب الرئيسية لوفيات المواليد أشار الدكتور علوي إلى أن 29.5 بالمائة من المواليد يموتون بسبب ضيق في التنفس بينما يموت 25 بالمائة بسبب التعفنات و 19.65 بالمائة بسبب الولادة قبل الأوان ( خدج) في حين يموت 9.77 بالمائة من المواليد بسبب الإختناق المولدي. واستنادا إلى معطيات وزارة الصحة العالمية، قال بلغيتي إن العالم يفقد سنويا 287 ألف امرأة ( 786 في اليوم) 99 بالمائة من هذه الوفيات تتم في البلدان النامية. وبمقارنة وضع المغرب جهويا فإن المغرب يصنف في الرتبة مائة من حيث معدل وفيات الأمهات بل ويصنف ضمن الدول المتأخرة في الترتيب تسبقه دول عربية أخرى مثل قطر والكويت والإمارات ومصر وليبيا ولبنان وتونس. وبخصوص وفيات المواليد فإن 19 ألف طفل ممن سنهم يقل عن خمس سنوات يموتون يوميا في العالم 40 في المائة منهم مواليد. وجهويا يصنف المغرب في قائمة الدول المتأخرة فيما يخص وفيات الأطفال الأقل من خمس سنوات حيث يصنف المغرب في الرتبة 36 حسب معطيات سنة 2012 . مسيرة 20 سنة انخفضت نسبة وفيات الأمهات في غضون عشرون سنة بنسبة 66 بالمائة حيث انتقلت من 332 وفاة لكل 100 ألف ولادة حية سنة 1992 إلى 112 لكل 100 ألف ولادة حية في سنة 2010. أما بالنسبة لوفيات الأطفال الذين يقل عمرهم عن خمس سنوات فقد انخفضت بدورها من 84 في سنة 1992 إلى 30 وفاة لكل ألف ولادة حية سنة 2011 أي بانخفاض يعادل 64 بالمائة. ورغم هذه النسبة المرتفعة التي تكشف عن تقدم ملموس وتراجع في وفات الأطفال والأمهات إلا أن العديد من المفارقت لا تزال قائمة بين الوسط الحضري والقروي وبين الجهات وبين الأوساط سوسيو اقتصادية فيما يخص الولوج إلى علاجات التوليد. نسبة وفيات الامهات في الوسط القروي تفوق مرتين نسبة الوفيات في الوسط الحضري ( 148 مقابل 73 وفاة لكل 100 ألف ولادة حية بالوسط الحضري) . وأظهرت نتائج الدراسة الوطنية الأولى التي أجريت لتحديد اسباب وفيات الامهات لسنة 2009 أن تدني الخدمات الصحية من الأسباب الرئيسية لهذه الوفيات حيث أنه عندما تتمكن المرأة من الولوج للمنشأة الصحية فإنها لا تحصل بالضرورة على الرعاية الجيدة. أما وفيات المواليد، التي استقرت حاليا في 19 وفاة لكل ألف ولادة حية فلا تزال تمثل 62 بالمائة من وفيات الأطفال الذين يقل عمرهم عن خمس سنوات. وتعد الولادات قبل الأوان وضعف الوزن أثناء الولادة والاختناق المولدي والتعفنات الأسباب الرئيسية لهذه الوفيات. وتقول وزارة الصحة إن المجهودات المبذوبة لصياغة المعايير السريرية لم يكن لها أي تأثير على أرض الواقع لأسباب مختلفة، كما أن بعد الساكنة عن المراكز المتخصصة وضعف الطاقة الإيوائية لهذه المراكز يؤدي إلى اختلالات في التكفل بالحالات الاستعجالية للمواليد.