قد يبدو في الظاهر أن مرحلة النقاش حول إدماج الإسلاميين في النسق السياسي قد انتهت مع ربيع الثورات العربية، وأن وصول الإسلاميين إلى السلطة، قد بدد كل الأطروحات المعادية للإسلاميين، وقطع البتة مع النماذج السلطوية في التعامل معهم، سواء كان النموذج تونسيا أو مصريا أو كان خليطا بينهما. بيد أن التجربة الحكومية التي يخوضها الإسلاميون اليوم في أكثر من قطر، تشير إلى أن هذه المرحلة لم تنته تماما، وأن الذي تغير فقط هو الموقف من التطبيع السياسي مع الإسلاميين، وليس التفكير في خيارات لإضعافهم أو تحجيم دورهم أو تشويه صورتهم أو العمل على إضعاف شعبيتهم. فهذه المقاربات التي تسعى إلى تحقيق هذه الأهداف لا زالت جارية مع تغيير في الأساليب بما يناسب تغير المواقع وذلك في ظل التحديات الكبرى التي تعيشها حكومات الربيع العربي. المؤسف حقا، أن هذه الخيارات حركت أكثر من أجندة، وأنتجت أكثر من رهان، وذلك لأكثر من عقد من الزمن، إذ تدرجت في تعاطيها مع الإسلاميين من خيار الاحتواء إلى خيار التحجيم والإضعاف، واستثمرت كل الأوراق الممكنة، بما في ذلك ورقة اعتدال الحركة الإسلامية ووسطيتها، من أجل توجيه الضربات إليها. كان المنتظر من هذه المقاربات أن تعتبر من التطورات التي حصلت، وأن تدشن عملية تقييم شاملة لرهاناتها، حتى تقف على الأسباب الحقيقية التي حكمت عليها بالإخفاق. من المهم، في هذه الظرفية الحساسة التي يجتازها المغرب، أن يتم استدعاء الذاكرة، وتقييم العديد من الرهانات التحكمية الخاسرة التي تم فرضها قسرا على الشعب المغربي، والتي طالت العديد من المحاور: المحور السياسي: وذلك باختلاق حزب تحكمي، وقع التمحل في البحث عن إيديولوجيته وعن حلفائه، بل وقع التمكين له بكل الوسائل الإدارية والسياسية والإعلامية، وكادت الأمور، باسم التقاطبات الجديدة، وباسم خلخلة المشهد الحزبي «الجامد»، أن تصل إلى تهديد النسق السياسي برمته، إذ برزت مؤشرات عديدة على وجود محاولة للعودة إلى مرحلة الحزب الوحيد، لولا دور الحراك السياسي الذي قاده حزب العدالة والتنمية والحراك الشعبي الذي اندلع كامتداد لربيع الشعوب العربية، في إيقاف هذا المسار الخطير. المحور الاقتصادي: وذلك، بسيطرة عقلية التحكم على هذا المجال الحيوي، وتشجيع ثقافة الريع والامتياز، وتعزيز منطق الاحتكار، وإبعاد مبادئ تكافؤ الفرص في الوصول إلى الثروة وإنتاجها وتوزيعها. المحور اللغوي: وذلك بتحريك ورقة الدارجة ومحاولة إدماجها في الإعلام، وافتعال نقاش وهمي حول الإمكانات التواصلية والعلمية للدارجة، حتى نهضت بعض الأطراف إلى تنظيم مؤتمرات بهذا الشأن ! وتبين من خلال المؤشرات الرقمية فشل هذا الرهان، وذلك إذ أثببت نسب الاستماع للإذاعات التي أظهرتها ماروك متري تراجع الإذاعات التي تستعمل الدارجة بكثافة، وتقدم الإذاعات التي تستعمل اللغة العربية وتشتغل على المضامين الدينية (إذاعة محمد السادس). المحور الفني: وذلك باختلاق نقاش وهمي حول حرية الإبداع الفني، ومحاولة استعداء الجسم الفني ضد الحركة الإسلامية، وهو الخيار الذي ثبت فشله، بعد التجربة الحكومية التي لم تكتف فقط بإبداء موقفها الرافض لأي تعرض للعمل الفني، وإنما اتجهت إلى إرساء المبادئ الديمقراطية التي تتيح لكل أنواع الطيف الفني على قدم المساواة والشفافية أن يصل إبداعها الفني إلى المغاربة. المحور القيمي: وذلك بافتعال نقاشات وهمية حول الحريات الفردية، واختزال مفهومها في أجندات خاصة تتعلق بالإفطار في شهر رمضان، وإباحة الخمر، ورفع التجريم عن العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، وغيرها من القضايا التي أثبت مسار الأحداث فشل هذه المقاربات في تحويلها إلى معركة شعبية ضد الإسلاميين. المحور الإعلامي: وذلك بإعمال النفوذ الإعلامي وشبكة العلاقات الزبونية لتشويه مواقف الحركة الإسلامية المشاركة، والتخويف منها، ومحاولة إشعال فتيل التوتر بينها وبين المؤسسة الملكية. بكلمة، إن نهج التحكم، لم يعتبر بفشل الرهانات السابقة، وهو اليوم، يحاول أن يعطي لها مضمونا آخر، يناسب تحول الإسلاميين من المعارضة إلى مواقع التدبير الحكومي، وذلك باستثمار وتوظيف كل الملفات التي تبرز في الساحة وتوحيد عائداتها لتكون موجهة إلى أداء الإسلاميين وحصيلتهم في التدبير الحكومي. المشكلة، أن نهج التحكم، وهو يعيد بناء تكتيكاته لإفشال التجربة، لا يعتبر بأسباب فشل رهاناته السابقة ولا بطرح سؤال ماذا بعد فشل التجربة؟ والحصيلة، أن تكتيكاته إما أن تؤول إلى نفس مصير رهاناته السابقة أي إلى الفشل، أو أن يدفع المغرب نحو المجهول، وهو السيناريو الذي أثبتت التجربة المغربية في أكثر من مناسبة وجود حكمة تتدخل في الوقت المناسب لمنع حصول أي نكوص عن المسار الديمقراطي الذي يعرفه المغرب.