لقد جعل سيدنا محمد (صلعم) مختلف الأعراق المقيمة في المدينة تتآلف فيما بينها عن طريق مختلف الاتفاقيات الاجتماعية ، من أجل توفير الوحدة الاجتماعية والسلام الاجتماعي . وقد عقد اتفاقيات مختلفة مع أكثر من مائة جماعة ، تارة عن طريق الرسائل وتارة عن طريق الحديث معهم بنفسه ، وتوصل إلى وفاق معهم . بعدما هاجر نبينا الكريم من مكة إلى المدينة ، التقى مجتمعات مختلفة من الناس . ففي ذلك العهد كانت المجتمعات اليهودية والمسيحية ذات النفوذ الكبير، والمشركون الذين لم يدخلوا الإسلام حتى ذلك الوقت في المدينة ويواصلون مفاهيمهم الدينية القديمة ، يعيشون معا في نفس المنطقة . لقد جعل سيدنا محمد (صلعم) مختلف الأعراق المقيمة في المدينة تتآلف فيما بينها عن طريق مختلف الاتفاقيات الاجتماعية ، من أجل توفير الوحدة الاجتماعية والسلام الاجتماعي . وقد عقد اتفاقيات مختلفة مع أكثر من مائة جماعة تارة عن طريق الرسائل وتارة عن طريق الحديث معهم بنفسه ، وتوصل إلى وفاق معهم .والباحث والمبشر الإنجليزي ت.و.آرنولد عبر عن أهمية الوحدة الاجتماعية التي شكلها سيدنا محمد (صلعم) كما يلي : إن تلك البلاد العربية التي لم تطع أميرا واحدا أبدا من قبل ، أصبحت وحدة اجتماعية فجأة ، وسلمت نفسها لذلك الآمر المطلق ، لقد خلق سيدنا محمد (صلعم) وحدة اجتماعية من القبائل المتعددة الصغيرة والكبيرة والمتشكلة من حوالي مائة جماعة اجتماعية صغيرة ومتنازعة فيما بينها دوما. بعدما فتح سيدنا محمد (صلعم) مكة ، أطلق سراح حتى المشركين الذين كانوا يعذبوا المسلمين من قبل، وأبدى تسامحا عظيما تجاههم ، وهذه الأخلاق العظيمة التي أظهرها لم يسبق لها مثيل أبدا لدى المجتمع العربي السابق ، وقد قوبل بتقدير لذلك . في ذلك العهد كان سيدنا محمد(صلعم) مثالا لكل المسلمين في موضوع تطبيق العدالة الحقيقية في البلدان الأخرى . وقد طبق نبينا الكريم التسامح والعدالة التي ذكرها القرآن تجاه الشعوب المحلية لكل البلدان التي حكمها ، وعقد معها اتفاقيات ترضي الطرفين وتمنع حدوث حتى أقل مستوى من الظلم . لهذا السبب فإن شعوب كل البلدان مهما كان عرقها ودينها ، كانت ممتنة دائما من السلام والتسامح والعدالة التي جلبها الإسلام . وقد أصبح سيدنا محمد (صلعم) والصحابة أمة تحقق العدالة بين الناس مثلما ورد في الآية (181 من سورة الأعراف) : "وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ." إن الاتفاقية التي عقدت مع شعب نجران المسيحي في الجزء الجنوبي لشبه الجزيرة العربية ، هي من أفضل الأمثلة على تسامح وعدالة نبينا الكريم . وأحد بنود الاتفاقية ينص على الآتي: "إن أرواح وأموال ودين وممتلكات وعائلات وكنائس وكل ما يملك أهل نجران ومن في معيتهم ، ستكون تحت حماية الله ورسوله" (ماجد خضوري .الحرب والسلم في الإسلام . منشورات المنارة ص 209-210 ) لقد كان نبينا الكريم وعن طريق مثل هذه الاتفاقيات ،وسيلة لتجلي الأخلاق الإسلامية الحميدة في المجتمع ، ووسيلة لعيش أهل الكتاب مع المسلمين في طمأنينة وسلام . النتيجة "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه كان لكم عدوا مبين " (سورة البقرة 208 ) إن أخلاق الإسلام معتدلة وسلمية جدا . والإسلام هو دين أنزل من أجل أن يقدم للناس حياة مليئة بالطمأنينة والسلام وتجلت فيه رحمة الله الأبدية وعطفه . إن الله يدعو كل الناس إلى أخلاق الإسلام كنموذج يمكن أن يعيش الناس من خلاله الرحمة والعطف والتسمح والسلام على وجه الأرض . يجب بذل جهد مشترك من أجل إحلال السلام والطمأنينة على وجه الأرض . إن مسؤولية مهمة تقع على عاتق الجميع في هذا الموضوع مهما كان دينهم . والله تعالى في القرآن الكريم يأمر المسلمين في موضوع ذوي الديانات الأخرى ، فيدعوهم إلى "التوحد في كلمة مشتركة ." "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون".(سورة آل عمران 64 ) عندما يتفق المسلمون والمسيحيون واليهود عل "كلمة مشتركة " في إطار الحب والاحترام والسلام والتسامح المتبادل ، فإن العالم سيكون مكانا مختلفا .وستنتهي الاشتباكات والخصومات والمخاوف والأعمال الإرهابية المستمرة منذ عصور ، وستتشكل حضارة جديدة مع "الكلمة المشتركة " مبنية على الحب والاحترام والطمأنينة . والله تعالى يلفت الانتباه إلى هذه الحقيقة في القرآن الكريم ويقول: " ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى " (سورة المائدة 82 ) لقد تسبب بعض الجهلة في التاريخ مثل (الصليبيون) في وقوع اشتباكات بين الدينين، لأنهم لم يفهموا هذه الحقيقة . ويجب على المسلمين والنصارى الحقيقيين أن يتعاونوا من أجل عدم تكرر نفس هذا السيناريو ، والتطورات التي حصلت بعد الحادث المؤسف في أمريكا، تظهر أن بذور هذا التعاون قد ألقيت . وأدى هذا الحادث الإرهابي الوخيم إلى بدء التقارب بين المجتمعين المسيحي والمسلم ، وأدى إلى قيام الكثير من المسيحيين بأعمال للتعرف على الدين الإسلامي عن قرب أكثر . وتمخض عنه أيضا شروع المسلمون بمساع أكثر جدية من أجل شرح أخلاق الإسلام الحقيقية التي عرفها القرآن . وبإذن الله سيكون القرن الحادي والعشرين ، قرنا يفهم فيه أن عيش الأخلاق الإسلامية هو السبيل الوحيد لإحلال الطمأنينة والسلام المنشود على وجه الأرض ، وكل هذه التطورات هي بمثابة البشرى لمعرفة الناس لأخلاق الإسلام عن قرب أكثر ، ولتخلصهم من كل الأحكام المسبقة التي لديهم حتى الآن . الجامع والحورة والكنيسة إن الجوامع والكنائس والحورات هي أماكن مهمة يذكر فيها اسم الله ويعبد فيها ، والله تعالى يلفت الانتباه في القرآن الكريم إلى ضرورة احترام وحماية أماكن العبادة هذه . هارون يحيى-تركيا