تأسف عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة، لما قال عنه «الترويج لخطاب الأوهام حول تراجع الثقة في صلابة الاقتصاد الوطني، والافتقاد إلى رؤية اقتصادية وطنية قادرة على مواجهة التحديات الخارجية والاستجابة للانتظارات الاجتماعية والتنموية»، منبها إلى أن هذا الخطاب «يعتمد التوظيف الانتقائي لبعض المؤشرات المالية والاقتصادية لإشاعة حالة من البلبلة في الأوساط الاقتصادية والاستثمارية». «أقول أنه ليس من المصلحة الوطنية استغلال خطاب الحقيقة والصراحة الذي انتهجته الحكومة ليروج البعض لصورة غير حقيقية لا تخدم في نهاية المطاف سوى من يسعون إلى إضعاف الجاذبية الاستثمارية لبلادنا»، يقول بنكيران، الذي كان يتحدث أول أمس الاثنين في الجلسة الشهرية المخصصة للسياسات العمومية، قبل أن يضيف «أن التشويش على البرنامج الاقتصادي الوطني الطموح الذي جاءت عناصره الكبرى في البرنامج الحكومي، أتاح لنا اليوم أن نبدأ مسيرة إصلاحات هيكلية وحماية مكتسبات القوة الذاتية التنموية لبلادنا». بنكيران قال إن الثقة في الاقتصاد الوطني قائمة والمؤشرات عليها متعددة، مؤكدا أن واقع الاقتصاد المغربي والصعوبات التي يعاني منها ليست وليدة اليوم ولكنها نتيجة اختيارات تنموية ركزت أساسا على الطلب الداخلي وفتحت المجال لمنافسة المنتوج والمقاولة المغربيين عبر اعتماد مجموعة من اتفاقيات تبادل الحر دون تطوير القدرة التصديرية لبلادنا وتنويع الأسواق الشيء الذي أدى إلى تعميق العجز التجاري. وتساءل بنكيران كيف للثقة أن تتراجع والحال أن المعطيات القائمة تؤكد الاقتصاد الوطني يسجل نموا يقارب 3,4% خلال سنة 2012 وبمعدل 4.7% بالنسبة للنمو غير الفلاحي وهو مستوى إيجابي بالنظر إلى الظرفية الدولية التي اتسمت بسلسلة مراجعات نحو الانخفاض، هذا بالإضافة إلى تحقيق محصول زراعي دون المتوسط، مضيفا أن النشاط الصناعي تنامى وارتفع مؤشر الإنتاج الصناعي ب 3.7%. وأوضح في هذا الاتجاه أن الاستثمارات الخارجية ارتفعت ب 6% بعد انخفاض كبير في السنوات الأخيرة، وإحداث عدد صاف من مناصب الشغل لا يقل عن 112 ألف ما بين الفصل الثاني من سنة 2011 ونفس الفترة من سنة 2012، مسجلا كذلك ارتفاع المداخيل الضريبية بنسبة 8% وارتفاع مداخيل الضريبة على القيمة المضافة الداخلية ب 9% مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية. وأشار رئيس الحكومة، أن وضعية الاقتصاد المغربي اليوم بإيجابياته وتحدياته هي نتاج ثلاث عناصر أساسية، أولها يؤكد بنكيران هو ما يعرفه العالم من أزمة اقتصادية ومالية صعبة، وثانيها السياسة الاقتصادية التي كانت متبعة، وثالثها تأخر بعض الإصلاحات الهيكلية كإصلاح نظام المقاصة وأنظمة التقاعد. وعلى مستوى المالية العمومية قال بنكيران، إنه يظهر جليا أن الإشكال الجوهري يتمثل في عدم ملاءمة تطور نفقات الاستثمار والمقاصة مع وتيرة تطور المداخيل والاعتماد في سياسة النفقات العمومية على مداخيل استثنائية وغير قارة، مشيرا في هذا السياق إلى التحول الهيكلي الذي عرفته الموارد ونفقات الميزانية العامة في السنوات الأخيرة، حيث تطورت المداخيل الجبائية بمعدل سنوي بلغ 17 % بين 2004 و2008 في حين انخفضت هذه المداخيل بمعدل سنوي يبلغ0.9% بين 2008 و2011. وأضاف أن المداخيل المحصلة من الخوصصة بلغت 48 مليار درهم بمعدل 7 مليار في السنة بين 2001 و 2007 بينما لم تصل إلا 5.3 مليار درهم بمعدل 1.3 مليار في السنة بين 2008 و2011. رئيس الحكومة قال إن النفقات، سجلت ارتفاعا كبيرا فعلى مستوى، صندوق المقاصة سجلت الفترة بين 2001 و2007 تخصيص مبلغ إجمالي قدره 52.3 مليار درهم بمعدل 7.5 مليار درهم في السنة، بينما شكلت هذه النفقات برسم 2008 -2011 مبلغا إجماليا قدره 118.3 مليار درهم أي بمعدل 30 مليار درهم في السنة. وأضاف أن هذه النفقات سجلت رقما قياسيا قدره 48.8 مليار درهم سنة 2011، وفيما يخص الاستثمار العمومي فقد ارتفعت نفقاته بمعدل 16.2%ما بين 2006-2011، بينما لم ترتفع إلا بنسبة 1.7%ما بين 2001-2006. وبخصوص حصول المغرب على «خط الوقاية والسيولة»، قال رئيس الحكومة إن ذلك يشكل ضمانة من شأنها أن تطمئن المستثمرين والشركاء الماليين الأجانب وكذا وكالات التصنيف الدولية حول الآفاق الاقتصادية والمالية لبلادنا. وأضاف أن الحصول على خط ائتماني وقائي من طرف صندوق النقد الدولي يأتي لاستعماله في حالة تعرض الاقتصاد الوطني لتأثيرات خارجية سلبية قوية تتعلق إما بالتراجع الحاد للطلب الخارجي الموجه للمغرب أو الارتفاع المهول لأسعار المواد الأولية. «وقد تمكن المغرب من الحصول على هذا الخط الائتماني»، يذكر بنكيران البرلمانيين، «بفضل الثقة التي تتمتع بها بلادنا بشهادة المؤسسات المالية الدولية بالنظر إلى الإصلاحات السياسية التي أنجزها المغرب، وكذا متانة الاقتصاد الوطني ونجاعة السياسات الاقتصادية التي تنهجها السلطات العمومية». وفيما يتعلق بالإجراءات والتدابير الآنية والهيكلية التي أعدتها الحكومة لمواجهة تداعيات التأثيرات الخارجية على الاقتصاد الوطني، أجملها بنكيران تدابير على مستوى تقليص عجز الميزانية وضبطه في حدود 5% التي اعتمدت في القانون المالي، مؤكدا تم التطبيق الجزئي لنظام المقايسة، ابتداء من شهر يونيو الأخير، على أسعار بعض المواد الطاقية مما سيمكن من توفير حوالي 5.7 مليار درهم . وأوضح أن الحكومة عملت على تعزيز دور المصالح الجبائية والجمركية في مجال تحصيل «الباقي استخلاصه"، والتي ستمكن من إنجاز مداخيل إضافية بحوالي 2.8 مليار درهم، وذلك قصد تحقيق اقتصاد في النفقات، خاصة عبر ترشيد نفقات التسيير وربط التحويلات لفائدة المنشآت العامة حسب الإمكانيات المتوفرة في خزينتها وبوتيرة إنجاز المشاريع الموكلة إليها مما سيمكن من اقتصاد 10 مليار درهم. يضاف إلى هذه الإجراءات حسب رئيس الحكومة دائما، الإصلاحات الهيكلية التي أطلقتها الحكومة أو هي بصدد إطلاقها ومنها، إصلاح نظام المقاصة، الإصلاح الضريبي، وإصلاح القانون التنظيمي للمالية لتدعيم الحكامة الجيدة والتدبير المبني على النتائج، مع ربط برمجة اعتمادات الاستثمار بالقدرة على الإنجاز وبضرورة تقديم برامج ومشاريع محددة الأهداف وآجال الإنجاز والكلفة. أما في الشق المتعلق بالحفاظ على مستوى الموجودات الخارجية من خلال كشف بنكيران أن الحكومة اتخذت اجراءات على المدى القصير، منها العمل على تعبئة كل التمويلات الخارجية المتاحة في حدود 20 مليار درهم التي رخص بها قانون المالية لهذه السنة، ومن بينها التوجه إلى السوق المالية الخارجية في حدود مليار دولار، ودراسة إمكانية العمل على تغطية مخاطر ارتفاع أسعار المحروقات للحد من تأثيرها على تفاقم العجز التجاري. وللحد من تزايد الواردات، أكد بنكيران أن الحكومة عاكفة على تقليص محتوى الواردات في المشاريع الاستثمارية للدولة والمشتريات العمومية، من خلال التنصيص على ذلك في دفاتر تحملات طلبات العروض، مشددا على مواصلة جهود السلطات العمومية في تعزيز المعايير المطبقة على السلع المستوردة إلى بلادنا، والعمل على تفعيل إجراءات الحماية التجارية التي من شأنها الحد من تزايد الواردات التي تغرق الأسواق المغربية وتضر بالمنتوجات الوطنية، إضافة إلى تسريع تطبيق برنامج النجاعة الطاقية وتطوير الطاقات البديلة.