كانت من بين المغاربة العائدين إلى أرض الوطن أثناء الثورة التي اندلعت في ليبيا لإسقاط نظامها المستبد، عادت فارة من هول الحرب بابنها الوحيد الذي سلم لها، وهي التي فقدت ثلاثة غيره دفعة واحدة، إثر سقوط صاروخ على منزلها الذي بنته رفقة زوجها بعد سنوات من العمل الطويلة.. عادت وكل آمالها معلقة على هذا الوطن الذي لم تعرف عنه إلا كل خير وهي التي غادرته منذ عشرين عاما، بعد أن تركت كل ما تملك خلفها.. كانت كلها يقين أن تجد في وطنها أكثر من حضن تلجأ إليه ليواسيها جراحها الغائرة ويخفف عنها محنتها ومعاناتها، خاصة أنها الأم الثكلى المصابة بالسرطان، لكن سرعان ما تكسرت كل الآمال على أرض الوطن وانقلبت كل الأماني خيبة بعد أن تنكر لها الأهل والأحباب ووجدت نفسها غريبة في الديار، فانضافت مرارة الغربة لمرارة العودة. طال انتظار قلب يحن عليها ويشفق على إبنها، لكن لم يحصل شيء مما كان يرجى، إلى أن اشتد عليها المرض وقصدت مستشفى مولاي عبد الله في الرباط قادمة إليه من منزل أمها بسيدي قاسم، هناك أجرت التحاليل الطبية والتقت مع نسوة كثيرات يعانين معها ألم مرض عضال، وكل واحدة لها قصة تحكي معاناتها.. أخبرتها ممرضة عن الحاجة خديجة التي وهبت «الدار» التي تملكها إلى مريضات السرطان، وحدثتها عن كرمها وعطفها، فلم يبقى لها بد إلا أن تجرب الذهاب إلى هذه «الدار» أمام المصير المجهول.. فتحت «دار» الحاجة بابها للعائدة من ليبيا، وقدمت لها المأوى والعناية، وكان أهلها الصدر الطيب الذي يتسع لكل همومها ويعينها على ما هي فيه مؤكدا أنه في وطنها خيرون كثر.. تتابع الأم التي فقدت فلذات أكبادها في قصف لكتائب القذافي، وضعها الصحي في مستشفى الرباط، وتبيت مع صديقاتها في «دار» الحاجة، وتعود إلى منزل أمها مرة في الشهر من أجل زيارة إبنها الوحيد الذي تبقى لها، وأحيانا تأخذه معها إلى الرباط، ومع مرور الوقت أصبحت تسترجع عافيتها وبدأ الحزن يعود أدراجه، وباتت أنيسة للمرضيات الأخريات، تحكي لهن في كل مناسبة بعضا من جرائم «الحرب» التي عاينتها في ليبيا، وهي التي يلقونها صديقاتها دون أن يقلقها الأمر ب«القذافي»..