مما لا يخفى على أحد منا، أن التواصل أضحى ضرورة من ضرورات مسايرتنا للمتغيرات الطارئة على الساحة العالمية، فكان المذياع والتلفاز، وكانت الصحون الهوائية المقعرة، كما كان الكمبيوتر وما يدخل في مجاله من الأقراص المضغوطة وشبكات الأنترنت... ويبقى من أهم تقليعات الموضة التي أطلت علينا في المجال الإلكتروني، والتي شاعت ببلادنا منذ أواخر التسعينات من القرن الماضي، تلك المرتبطة بالهاتف المحمول، الذي أصبح ملازما للإنسان المغربي ملازمة ظله له. فأينما وليت وجهك فثم هواتف خلوية متعددة، وبرنات صوتية متنوعة، بل إن البعض ابتلي بعادة تغيير محموله في ظرف لا يتجاوز الشهر الواحد على الأكثر. وهذا كله شيء إيجابي ومحمود مادمنا نستخدمه استخداما يتماشى والإطار المسموح به، وكما يقال "إذا زاد الشيء عن حده، انقلب إلى ضده" وهذا ما أثارني، وشد انتباهي، بحيث أصبح "البورتابل" وسيلة للمبارزة والتفاخر، ليفقد بذلك صفته التواصلية عند معظم أفراد مجتمعنا؛ فأنت أيها القارئ العزيز بمجرد دخولك إلى أي مكان عام تلمس هذه الحقيقة وإن كانت غير صريحة. وخير دليل على ذلك هو الجامعة، فما دمت وسطها لا تسمع إلا حديثا عن "ماركات" الهواتف وأثمنتها، أما إذا تجرأت وتحملت برهة وسط المدرج فإن الطين يزداد بلة، فصدى هذه الأجهزة لا ينقطع طوال الساعة، مما يعيق عملية إلقاء الدروس والانتباه لها، مما يولد (ذلك) انزعاجا لدى معظم الأساتذة الذين يلحون على الطلبة ضرورة إقفالهم لهواتفهم، ولكن ذلك يظل صرخة في واد ونفخة في رماد، فسرعان ما يعيدون الكرة تلو الأخرى. لذلك أليس الأجذر بالطلبة على وجه الخصوص الوعي بالدور الذي يمكن للهاتف النقال أن يلعبه، ومتى يمكنه لعب هذا الدور، حتى نتجنب مثل هذه التصرفات التي أنهكت ومازالت تنهك فضاءنا الجامعي، فعوض الاهتمام بالقضايا الطلابية، والخوض في المعارك النضالية ذات البعد الفكري، ننساق وراء هذه الأجهزة الاستهلاكية، وكأني بالطالب يقول "أنا أستهلك إذن أنا موجود" بدل أن يقول "أنا أفكر إذن أنا موجود". عبد الله إيماسي