تحرك الكلام عن قانون الصحافة المجدد، الذي كان جاهزا منذ أكثر من أربع سنوات، ولم يتأخر صدوره إلا بسبب حسابات غير موضوعية. كان يحتاج فقط إلى رتوش. ولكن كتب على جدول الأعمال السياسي في المغرب أن يبقى مثقلا بالمعلقات من تأهيل الديبلوماسيا إلى إصلاح القضاء إلى قانون الصحافة. وبدلا من صدور القانون المذكور، كانت قد تجددت الحملة على الصحافة. و وصل الأمر كما نذكر إلى حد تحريض القناة الثانية على لوجورنال بذريعة مفتعلة. وفي ذلك السياق التحاملي ظهرت فكرة فتح نقاش حول الصحافة المستقلة بقصد حشرها في زاوية ضيقة بتهمة الانزلاق نحو الإضرار بالمؤسسات. وكان الغرض هو التدجين. ولحسن الحظ أن الملف وقع في أيدي جمال الدين الناجي، رئيس كرسي اليونيسكو، الذي موقعه في منطقة تماس بين ما هو محلي وكوني. وبدلا من أن يشرف الناجي على تحرير صك اتهام ضد الصحافة المستقلة، وجه الأمور إلى نقاش وطني حول الإعلام بصفة عامة، بدلا من حصره في خانة الصحافة والمسؤولية. و اتجه إلى وضع الأمور في نصابها، وهو التأمل في مهمة الإعلام برمته ودوره، في هذه اللحظة التي نجتازها من تطورنا. وهذا هو ما يتضمنه الكتاب الأبيض الذي رصد التشخيصات والاقتراحات لتي أدلى بها العديد من الفاعلين من مختلف المشارب. كما تضمنت الوثيقة، كما تناهى إلى علم الوسط المهني، توصيات ستكون مرجعا، في هذا الوقت الذي نقبل فيه على إعداد خارطة طريق نضبط بها مسيرتنا على الإيقاع المناسب للألفية الثالثة، في مختلف المجالات، ومنها وسائل الاتصال التي هي عصب التطور، والتي تعرف بدورها تطورا سريعا يجعل البشرية كلها تدخل في فترة انتقالية قلقة، فيها من الأسئلة أكثر مما فيها من الإجابات. ومن المحاكمة التي كان يراد نصبها للصحافة المستقلة، ها هو الكتاب الأبيض سيكون، في الغالب، مشتملا على مطالب نوعية، لابد أن تأخذها بعين الاعتبار لجنة إعداد مسودة الدستور. وسيكون طبيعيا أن يكون من ضمن تلك المطالب دسترة حق الوصول إلى المعلومة، ومبادئ يراجع على هديها قانون الصحافة المنتظر أن يعقلن العقوبات و مبالغ الغرامات، ويفصل بين الخطأ المهني والفعل الجنائي، والحق في صيانة المصدر، وغير ذلك من البنود التي ظهرت استعجالية الأخذ بها نظرا للممارسات التي بدأنا نراها. وبسبب تلك الممارسات كنا نسير سريعا نحو «مدرسة بن على»، علاوة على مسلسل تفكيك الدولة على «نمط القذافي»، الذي انزلقنا إليه، وذلك بزرع العديد من المجالس واللجان والهيئات التي أسندت إليها صلاحيات تجعل الرؤية مشتتة إلى مختلف الملفات، وتجعل ملفات حساسة بعيدة عن إشراف الحكومة وبالتالي من مراقبة البرلمان. إن الكتاب الأبيض حول الإعلام والمجتمع، يأتي في وقته ليكون مثل توصيات مناظرة 1993، مرجعا ليس لمهنيي الإعلام وحدهم، بل للطبقة السياسية كلها. 17 أبريل 2011 بقلم : محمد العربي المساري