أحمد بوطالب ابن «بني سيدل» الواقعة بالناظور غادرالمغرب وعمره لا يتعدى خمسة عشر عاما مع إخوته السبعة.. ابن الريف كان يريد أن يكون شاعرا و لم تكن لديه أي ميولات سياسية، وكان يرفض أن ينخرط في أي نشاط جمعوي أو سياسي في المهجر، لكن الظروف الذاتية والموضوعية في الهجرة كانت لها الكلمة الفصل في تطور شخصية أحمد بوطالب الذي دخل إلى عالم الإعلام الهولندي المحلي والوطني ليتمكن في ما بعد من الالتحاق بالقسم الإعلامي لوزيرة الشؤون الاجتماعية والرفاهية السيدة هيدي دانكونا التي عبدت له الطريق للانتماء إلى الحزب العمالي والتشبع بأفكار «السوسيال ديموكراط»، وربط علاقات قوية في المجتمع الهولندي ساعدته على رئاسة منتدى المهاجرين في هولندا (منظمة حكومية). عمل مديرا بقسم الإحصاء، ومحافظا قانونيا بمدينة امستردام -خلفا للمحافظ القانوني «روب اودركيرك» الذي شتم الشباب المغربي-. وفي ما بعد عين كاتبا للدولة في الشؤون الاقتصادية، وهو الآن يشغل منصب عمدة مدينة روتردام إحدى كبريات المدن الهولندية التي تحتضن أحد أنشط الموانئ العالمية، ألا وهو ميناء روتردام الذي تسيره بلدية وليست وكالة أو وزارة، مع العلم بأن روتردام يسكنها مواطنون ينتمون لأكثر من 172 جنسية، مدينة عالمية كسائر المدن الحديثة مشهورة بفوارقها الصارخة بين عالمين: عالم المال والرفاهية وناطحات السحاب، وعالم التهميش والفقر. يتحدث بوطالب عن تجربته بالقول «تجربتي الشخصية كمهاجر بعد اثني وثلاثين عاما في هولندا تختصر في المرور عبر ثلاثة طرق: التعليم، التعليم ثم التعليم. سأفعل كل شيء، أخلق خططا ومشاريع جديدة لأحارب مظاهر التمييز العنصري الذي قد يتعرض له بعض هؤلاء الشباب، ولكن عليهم من جانبهم أن يتعلموا. التعليم هو كل ما أطالبه منهم ويجب على أوليائهم أن يدعموهم في ذلك.» التجربة التي اكتسبها في السياسة المحلية فتحت لابن «بني سيدل» أبواب مدينة روتردام على مصراعيها، يكفي أنه استطاع أن يقتنص مفتاح هذه المدينة من بين أيادي خمسة وعشرين منافسا، منهم سياسيون محنكون ورجال أعمال كبار. والدليل على الشعبية الجارفة التي يتمتع بها وسط المغاربة والهولنديين على حد سواء هو اكتساحه لأصوات الناخبين في الانتخابات المحلية لبلدية روتردام، حيث حصل على أكبر عدد من الأصوات على الإطلاق في تاريخ المدينة ولمرشح من أصل أجنبي. عانى أحمد بوطالب الأمرين من جراء الحملة العنصرية التي شنها ضده كل من «فيلدرس» اليميني المتطرف و«باستور» المنتمي لحزب «بيم فورتاون» بمدينة روتردام الذي طالب من أحمد بوطالب التنازل عن الجنسية المغربية أثناء تنصيبه كعمدة في روتردام. ولحد كتابة هذه السطور، فإن عمدة المدينة لا يمكنه أن يتنقل بحرية ودون حماية أمنية مشددة، فاسمه مدرج في «لائحة الموت» منذ مقتل المخرج السينمائي «فان خوخ» في رسالة تم غرسها بخنجر في صدر هذا الأخير. والكل في هولندا لايزال يتذكر قولة أحمد بوطالب آنذاك «اللي معجبوش الحال يهز الباليزا ديالو ويرجع فحالو لبلادو»، ّمحاولا بذلك تهدئة الأوضاع وتجنب الصدام بين المغاربة والهولنديين. وقد استطاع من خلال هدوئه وصبره نيل ثقة الهولنديين وثقة العاهل المغربي محمد السادس الذي منحه وساما ملكيا في 2007. ابن الريف لم تنل منه حياة الأضواء والشهرة في أوربا، بل ظل بوطالب متمسكا بجذوره المغربية، ووفيا لحياته العائلية، العائلة المتكونة من أربعة أبناء (طالبان جامعيان وابنتان صغيرتان).. حتى لحظة فوزه بمنصب العمدة استقبلها بحكمة ورباطة جأش.. ويروي بوطالب في أحد حواراته أن زميلا له في الحزب كان معه حين وصل خبر اختياره لمنصب عمدة روتردام سأله: «لا أراك فرحا». فأجابه: «الفرح في القلب»، مضيفا «لكني كنت أشعر بثقل المسؤولية وأفكر فيها ونسيت أن أفرح. قبل أن أرشح نفسي لهذا المنصب استشرت عائلتي، تحدثت مع أبنائي ومع أبي وأمي. قالوا بعد تردد: نحن معك، نحن وراءك، نحن أمامك ونحن إلى جانبك. قال لي أبي الذي يبلغ من العمر الآن 73 عاما: أدعو لك كل صباح، وهو يقرأ القرآن صباحا ومساء.» هذا هو أحمد بو طالب الذي مازال يمتطي الدراجة التي يركبها مساء كل سبت، الدراجة نفسها التي حصل عليها هدية من زملائه في بلدية أمستردام أثناء حفل الوداع الذي أقيم له.