حقيقي وبعضها مفتعل، وأطفال رضع يحملون بين الأيادي، ويوضعون فوق الأرصفة، يكترون بمبالغ معينة تختلف حسب السن والجنس، وهي كلها لوازم ومعدات تفرضها ضرورة ومتطلبات العمل في ميدان التسول، إلى درجة أن أغلب المواطنين، لم يعودون يثقون ويرقون ويعطفون على هذه الشريحة من البشر، وإن كانت حوتة واحدة تفسد محتوى الشواري، وخلال جولة قصيرة بأزقة الجديدة ومن اجل استطلاع أراء السكان حول ظاهرة التسول، وفي تصريحات عديدة استقتها أسيف مؤخرا، اختلفت الشهادات بين مدين ومستنكر للظاهرة وبين مدين ومحمل المسؤولية للمجتمع، الذي لم يكفل الفقراء والضعفاء، ولم يهيئ لهم فضاءات العمل، يقول عبد الله35 سنة، نادل بمقهى: »الجديدة لم تعد كما كانت هادئة ونظيفة، الجرف الأصفر والمعامل جرت الويلات عليها من حيث التلوث البيئي والبشري، الجديدة أصبحت قبلة للمتسولين والمشعوذين والدجالين، لا يمكن أن تغفل العين عنهم، ففي كل مرة يلج المقهى متسول أو معتوه ليضايق الزبناء بإحراجهم، وكثيرا ما نتعرض نحن لتعنيف صاحب المقهى، خاصة عندما يسطو متسول أو معتوه على كأس أو بقايا فطور لزبون أو زبونة... « تسول أم احتيالولعل من يقوم بزيارة لبعض المرافق الاجتماعية أو الإدارية، سيلاحظ جلوس العديد من النساء أمام أبواب هذه المرافق وهذه الإدارات، خاصة أمام البنوك والوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء، ومركز البريد والصيدليات وغيرها من الإدارات، نساء يفترشن الكارتون، وينتظرن خروج الزبناء من اجل توجيه كلمات المسكنة والسؤال استدرارا لعطفهم واستجداء لحنانهم من اجل الفوز بدرهم أو درهمين، وكثيرا ما يلجأ المتسول إلى وضع أوراق وعلب الأدوية أمامه دلالة على انه في حاجة إلى نقود لشراء أدوية له أو لغيره، وقد يضطر المحسن أو المحسنة لشرائه لها، ليعاد إلى الصيدلي وتقبض ثمنه نقدا، وكثيرا ما نصادف أفرادا وجماعات بمحطة الحافلات، فيدعون أنهم تقطع بهم الحبل، وأنهم جاؤوا لزيارة أحد أقربائهم ووجدوه أو وجدوهم قد غيروا مقر سكناهم، وأنهم الآن في حاجة إلى واجب التذكرة، والغريب في الأمر أن هذه الرواية تتعدد وتعاد أكثر من مرة على رواد وزوار المحطة، تقول نعيمة أستاذة تتنقل يوميا عبر الحافلة إلى حيث تشتغل: »بحكم ترددي يوميا على الحافلات، عرفت ووقفت على ظواهر اجتماعية تدعو إلى الاستغراب، فالعديد من المتسولين يتقطع بهم الحبل كل يوم، حيث يرددون نفس الديسك على الركاب، كونهم جاؤوا لزيارة قريب، ولم يجدوه، ولكون أغلب الركاب والمسافرين، هم عابرون ولا يعرفون حقيقتهم فهناك من يتعاطف معهم، ويقدم لهم ما تسمح به ميزانيته، وهناك من يدعي أنه تعرض للسرقة ولم يبق له ما يؤدي به تذكرة الرجوع إلى بيته، والأمثلة متعددة... «ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن المتسولين طوروا من إمكانياتهم حسب متطلبات العصر، فهناك فتيات متسولات بالفن، فتيات في مقتبل العمر يعترضن سبيل المارة، ويتحججن بأنهن لا يملكن ما يسدن به رمقهن، وقد ينجحن في استدرار عطف المسؤول، وقد يفتح النقاش على مصراعيه ويقود إلى شعاب أخرى، وتلك حجة وهدف في نفس الوقت للعديد من مثل هؤلاء، حكاية غريبة وشهادة حية لعبد الله مجاهد سائق حافلة كانت تربط الجديدة بالرباط، يقول فيها: » مرة وأنا عائد من البيضاء إلى الجديدة صعدت فتاتان إلى الحافلة وشرعت الأولى في البكاء، وتبعتها الثانية وبعد اقل من عشر ثوان شرعت الأولى في سرد قصتهما بكون والديهما توفيا، وأنها طلقت من زوجها بعد أن أخذ كل أموالها، وهي الآن مسؤولة عن أختها الصغرى و لا تجدان ما تصرفانه على نفسيهما ولم ترض الخروج عن جادة الصواب والتعاطي للدعارة، صونا لعرضها وعرض أختها، وقام الركاب باللازم اتجاههما، ولكن الغريب في الأمر أنهما وبمجرد نزولهما من الحافلة، شرعتا في الضحك، ضحك صاخب والتقينا بشاب، مفتول العضلات، يبدو أنه متواطئ معهما، تبين لي فيما بعد أنهما متسولتان عجيبتان وغريبتان... «أسباب ودواعي التسولإذا كانت الغاية تبرر الوسيلة، فإن المتسول لا يكون بالضرورة محتالا، ولكن الظروف الاجتماعية والنفسية قد تكون وراء احترافه للتسول والسؤال، وقد تدفعه دفعا إلى امتهان واحدة من أقدم المهن، وإن اختلفت الطرق والأهداف، المتسول عادة سواء بالجديدة أو بغيرها، نوعان، إما محتاج فعلا لما يقتات ويستر به عورته أو إما أنه أصبح مدمنا على التسول لغاية في نفسه وقد يدفعه الكسل واستحلاء الخمول والكسب السهل إلى المضي في هذه المهنة، خلاف النوع الأول الذي قد يدفعه عجزه أو فقره إلى استجداء الناس، ولعل المرء يستغرب عندما يستمع إلى شهادة أحد المتسولين منذ عقدين من الزمن، كنا نراه ونحن تلاميذ نتردد على الإعدادية والثانوية، ولا زلنا نراه ونحن في هذا السن، متمسكا بالتسول وقد يتقاعد في يوم من الأيام، إن طوعا أو كرها، سيما وانه العظم قد وهن ولم تعد قواه البدنية ولا العقلية، تسعفه على الخروج صباحا وقضاء اليوم بكامله يتجول بين الأزقة والدكاكين مادا يده للناس، يقول هذا الشخص: »أنا لم اخرج إلى التسول من أجل التسول، ولكن الظروف هي التي دفعتني إلى احتراف التسول، أنا كنت اعمل في فرن من الأفران التقليدية، وكنت أشتغل في الليل والنهار في الظلام، إلى أن ضعف بصري ولم أعد أميز بين الأشياء، فاضطررت إلى التوقف عن العمل سيما وأن صاحب الفرن قالها لي بصراحة، ولكون أطفالي كانوا لا زالوا صغارا، وجدت نفسي أخرج إلى الشارع من اجل التسول لتربيتهم بما يجود به علي المحسنون... «ودون أن يستطيع هذا الشخص، الاستمرار في شهادته لكون النتيجة، ستقوده حتما، إلى ما لا يحب سماعه وهو انه استحلى التسول ولم يعد قادرا على التخلي عنه، خاصة وان أبناءه استقلوا عنه ولم يعودوا في حاجة إليه، وتتعدد الأسباب والمسببات والهدف واحد وهو الحصول على بعض الأموال، كما يفعل الآن، جيل من المتسولين الجدد...في كل شوارع الجديد وبمجرد غروب الشمس يشرع بعض الأفارقة في ممارسة طقوسهم حيث ينزلون فرادى وجماعات ويغزون الأسواق والتجمعات من أجل الحصول على بعض النقود، حيث يجدون صعوبة بالغة في التحدث إلى الدكاليين، )صدكة الله يرحم والدين( و لا يزيدون عن هذه الجملة إلا قليلا، وكما يحصل عادة، تختلف الأعذار وتتضارب وجهات النظر، فإن كان البعض يدعي أنه من الطلبة بجامعة شعيب الدكالي وانه أمام تأخير المنحة وجد نفسه مضطرا للخروج إلى الشوارع من اجل التسول لضمان قوته، فإن العديد منهم يظهر أن لا علاقة له بالدراسة لا في الجامعة ولا في الجامع، بل هم فئة من المغتربين والطامعين والطامحين إلى عبور البحر الأبيض المتوسط والإقدام على العيش في بلد الجن والملائكة...كمارا مواطن سينغالي دفعته ظروفه إلى النزول إلى شوارع الجديدة من اجل التسول، بصعوبة بالغة استطعنا إقناعه بالتحدث إلينا، يقول: »بعد أن نزلت بالمغرب توجهت من البيضاء إلى الجديدة لقربها من الجرف الأصفر بغية القيام بمغامرة جديدة في اتجاه أوروبا، خاصة وأنني سبق لي وتجاوزت الحدود، الآن أنا مضطر للتسول من اجل جمع المزيد من النقود للاستعانة بها في الغرب... «التسول والقانونيستغرب العديد من رجال القانون، من غياب نصوص واضحة وصريحة تحرم وتجرم التسول والتشرد، لكون التشرد هو نوع من التسول، وهو ما ترك الباب مفتوحا للاجتهاد والتأويل، وذلك ربما للتعامل مع المتسول بشيء من التخفيف، ففي الفصل 326 من القانون الجنائي يعاقب بالسجن من شهر واحد إلى ستة أشهر من كانت لديه وسيلة للتعيش أو كان بوسعه الحصول عليها أو بأية وسيلة مشروعة ولكنه تعود ممارسة التسول في أي مكان، وإذا تم تفعيل هذا الفصل وحده فإن جل المتسولين، إن لم نقل كلهم سوف يجدون أنفسهم في السجن، فالأغلبية الساحقة للمتسولين، إما أنهم قادرون على العمل أو لديهم وسيلة للتعيش، ولكنهم لم يعودوا قادرين على العمل وبالانتقال إلى الفصل الموالي أي 327، نجده ينص على عقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى ستة في حق كل متسول حتى ولو كان ذا عاهة أو معدما، استجدى الناس باستعمال التهديد، التظاهر بالمرض أو ادعاء عاهة، أو تعود اصطحاب طفل صغير أو أكثر من غير فروعه، أو الدخول إلى مسكن أو أحد ملحقاته دون إذن صاحبه أو مالكه، أو التسول جماعة، إلا إذا كان التجمع مكونا من الزوج وزوجته أو الأب والأم وأولادهما الصغار أو الأعمى أو العاجز ومن يقودهما، في حين نجد الفصل 328 صريحا، حيث ينص على عقوبة كل من يستخدم في التسول صراحة أو تحت ستار مهنة أو حرفة ما، أطفالا يقل سنهم عن ثلاثة عشر عاما، بثلاثة إلى ستة أشهر...بعد هذا كله، يمكن للمرء بل ويحق له، أن يتساءل، أين يكمن الخلل؟ هل في المتسولين والمتسولات؟ هل في المواطنين الذين يشجعون هذه الفئة، أم في المجتمع الذي لم يقم بدوره، سواء من حيث توفير شروط العمل والشغل، أو من حيث تطبيق القانون، في حالة تعاطي مثل هؤلاء للتسول، سيما وأن البعض منهم إن لم نقل جلهم يتعاطى للتسول وهو في وضعية مادية مريحة، بل إن دخله اليومي يتجاوز بكثير ما يحصل عليه الموظفون في مختلف أسلاك الدولة، وتلك هي المشكلة...