بموازاة مع ما قد حاولت هيئة الإنصاف و المصالحة القيام به من طي لصفحة الماضي أو بقدر ما سمح لها به في إطار تصفية لتركة ثقيلة عنوانها العريض سنوات الرصاص ، كانت وفي الآن نفسه قد فتحت صفحة جديدة تحمل نفس العنوان بنكهة العهد الجديد : المزيد من المقدسات، محاكمات صورية قمع للحركات الاحتجاجية ، نهب للمال العام، استغلال النفوذ ...، فالهيئة السالفة الذكر قدمت تقريرها بما له وما عليه و رئيسها انتقل إلى الرفيق الأعلى وترك رفاق الأمس واليوم مع صفحة جديدة لعهد جديد، فمن الجهة التي ستتكفل بطيها قبل أن تصبح ماضي؟ و هل صار مصير الشعب المغربي مرهونا بين طي صفحة و أخرى؟ يبدو أن الإشكالية الرئيسية في هذا الوطن ليس في طي صفحة أو صفحات ( المسلسلات ) بل في طي الكتاب برمته وذلك عبر تبني إصلاحات دستورية ديمقراطية ترتكز على عدم الإفلات من العقاب في حق كل من ثبت تورطه في انتهاك حق من حقوق المواطن المغربي كيفما كان نسبه و رتبته وهذا ليس من منطلق تصفية الحسابات بل كمبدأ لردع المتلاعبين بإرادة الشعب والناهبين لخيراته، فها هو الدستور المغربي في ديباجته بخصوص حقوق الإنسان ينص: " وإدراكا منها لضرورة إدراج عملها في إطار المنظمات الدولية ، فان المملكة المغربية ، العضو العامل النشيط في هذه المنظمات ، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ و حقوق و واجبات و تؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا " ، فمن خلال إسقاط هذه الديباجة على واقع حقوق الإنسان بالمغرب نتساءل إلى أي حد أوفى النظام المغربي بالتزامه الدستوري هذا و الفضائح متتالية تطبع مسرح الأحداث؟ فكرامة المواطن المغربي تداس يوميا عبر السطو على حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بل حتى السياسية التي استكملت الهيمنة عليها من خلال إحياء ظاهرة "حزب القصر " ، فهذه انتهاكات للحق في حرية الرأي والتعبير تاليها محاكمات صورية تحت غطاء انتهاك المقدس ( معتقلو فاتح مايو...محمد الراجي) ، وتلك احتجاجات للحق في العيش الكريم ترافقها قمع واعتقالات (صفرو ... إفني ) ، وهذا الحرمان من الحق في العمل . ففي ظل هذه الفضائح التي لا رادع لها وفي غياب سلطة حقيقية حكومة/ برلمان تعبر عن إرادة الشعب المغربي وطموحاته وليس مجرد أطلال غارقة في بحر الفساد ، يطلب من المواطن المغربي وفي مناسبات كثيرة بطي الصفحة القديمة/الجديدة واسترجاع الثقة في تلك المؤسسات، إلا أن هذا المواطن وبكل وعي و مسؤولية يرفض وفي ظل هذه الشروط المساهمة في هذا الطي الملغوم لمجرد إضفاء الشرعية عليه وهو ما يعبر عنه بدوره في محطات كثيرة . وعليه، وكحتمية تاريخية،و لاسترجاع ثقة هذا الشعب تبقى: التنقية البشرية هي الطريق إلى الديمقراطية