الساعة تشير إلى الرابعة والنصف، أشعة الشمس الحارقة لم تمنع عدد من الزملاء ممثلي وسائل الإعلام الوطنية المرئية والمسموعة والمكتوبة من القدوم إلى السجن المحلي لمدينة إنزكان حيث تجمهروا أمام بوابة السجن لإستقبال زميلهم محمد الراجي الذي أودع السجن نهاية الأسبوع الماضي على خليفة متابعته في الملف الجنحي، والمتابع فيه بتهمة الإساءة إلى الملك.حيث قضت المحكمة الإبتدائية مطلع هذا الأسبوع بإدانته بالسجن النافذ سنتين مع إلزامه بأداء غرامة مالية وقدرها 5000 درهم. وعقب إصدار قرار الإدانة من طرف هيئة المحكمة في أسرع محاكمة في تاريخ القضاء المغربي والتي دامت لسبع دقائق فقط حيث مثل خلالها محمد الراجي من دون أن يكون مؤازرا من طرف الدفاع. أدانت عدد من الفعاليات الحقوقية والمنظمات الدولية قرار الإدانة وأصدرت العديد من البيانات الاستنكارية كان أخرها البيان الذي أصدرته منظمة مراسلون بلا حدود.في أقصى الجهة من البوابة الرئيسية للسجن، تجمع عدد من المواطنون من مختلف الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية للتعرف على ملامح الشاب محمد الراجي الذي تداولت إسمه العديد من وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة سواء الوطنية أو العربية أو الدولية."محمد الراجي" الذي حولته هيئة المحكمة الإبتدائية بأكادير إلى أسطورة الكتابة الإلكترونية بالمغرب بإمتياز!!.الكل هنا ينتظر خروج هذا الرمز، كيف هو؟؟.. كيف يبدو؟؟... نماذج من عشرات الأسئلة التي تداولها كثير من الحشود المرابطة بالمقربة من مدخل السجن المحلي لمدينة إنزكان.فجأة عم صمت رهيب بمختلف الفضاءات المحيطة ببوابة السجن، بعد أن خرج شاب في نهاية عقده الثاني، نحيف الجسم تبدو على محياه مظاهر التعب والإرهاق، كان يرتدي سروالا قصيرا وقميصا رثا من فرط الإختناق الذي قضاه داخل زنزانة أشبه بالقبر تشارك فضاءاتها مع العشرات من السجناء المتابعون على خلفيات أحداث سيدي إفني.خرج محمد الراجي من السجن وهو يتنفس الصعداء بعد أسبوع حافل بالأحداث تنقل من خلالها بين مقر ولاية أمن أكادير إلى المحكمة الابتدائية بأكادير، تم السجن المحلي لمدينة إنزكان، قبل أن يعود إلى ذات المحكمة التي أدانته بعقوبة حبسية وغرامة مالية ليتم إرجاعه إلى سجن إنزكان.رفع محمد الراجي رأسه إلى السماء، قبل أن تلتقطه أيادي المستقبلين، وكان محمد الراجي مصدوما لكل هذه التطورات المفاجئة التي قلبت حياته رأسا على عقب، بعد أن كان مجرد عامل بسيط بحمام شعبي كائن بحي الداخلة بالمقربة من المركب الثقافي جمال الذرة ليدخل التاريخ من أبوابه الواسعة بعد أن أصبح أول مغربي وعربي يحاكم بسبب مقالات إلكترونية أدرجها في مدونته الشخصية على الشبكة العنكبوتية.كثير من الذين حلوا بالسجن المحلي بإنزكان لإستقبال محمد الراجي كان لا يعرفهم هذا الأخير، ولم يسبق له أن إلتقى بهم، استطاع فقد أن يتعرف على أخيه من بينهم والذي كان سنده في كل أطوار محاكمته، والوسيط بينه وبين العالم الخارجي.الزملاء في القناة الثانية استغلوا مناسبة الإفراج عن محمد الراجي لإجراء حوار معه، عبر من خلاله المفرج عنه عن سعادته بقرار إفراجه وأمله الكبير في الحصول على البراءة خلال جلسة الإستئناف.غادر محمد الراجي السجن المحلي بإنزكان دون أن ينسى زملائه في السجن الذين تقاسموا معه فضاء الزنزانة الضيقة والذين تم اعتقالهم على خلفية أحداث سيدي إفني.حقا، إنها مصادفة نادرة الوقوع، فالقاسم المشترك بين محمد الراجي وهؤلاء المعتقلين هو حب الوطن، وذنبهم الوحيد أنهم عبروا عن أرائهم بدون تزيف أو تنميق حيال كثير من الأوضاع غير السوية التي يعيشها هذا الوطن.غادر محمد الراجي المكان برفقة مواطن إنزكاني يعمل كسائق سيارة أجرة أراد أن يحتفي بهذا الشاب الأسطورة الذي استقبله بمنزله الكائن بحي أسايسوقد أدخله إلى غرفته حيث زوده بملابس نظيفة استبدال ملابسه الرثة التي كانت شاهدة على معاناة محمد الراجي خلال مختلف أطوار ومراحل اعتقاله.غادر محمد الراجي مدينة إنزكان عائدا إلى مدينة أكادير بعد أن قاده الشوق إلى الفضاءات التي شكلت جزءا من حياته، بدأ يتجول في مختلف فضاءات حي الداخلة وكان كالطير الذي عانق من جديد سماء الحرية، الراجي اشتاق إلى قلمه وإلى أوراقه، اشتاق إلى أصدقائه، إلى المسجد الذي كان يؤدي فيه شعائره الدينية.هو اليوم، يأمل أن لا تصادر حريته من جديد، أن لا يصادر حقه في الحياة، حقه في التعبير، حق وطنه عليه في الإسهام في إصلاح أوضاعه......