كثيرا ما نسمع أو نقرأ أو نكتب عن الحياة ما بعد التقاعد فكلمة التقاعد ليست جديدة علينا، إذ لا بد لكل إنسان من أن يعيش هذه المرحلة من الحياة، لكن الجديد هنا أننا نتحدث عن التقاعد كما يعيشه غيرنا وبين ظهرانينا، وغيرنا الذي نصور تجربته في هذه المقالة هو رجل غربي من دولة فرنسا تربى في بيئة الإعلام والصحافة أحب بلد المغرب الذي ملأه طمأنينة ودفئا وتفانى في حبه لمدينة الجديدة حتى انه قال (طوال حياتي العملية أتيحت لي فرصة مهمة لزيارة نصف الكرة الأرضية، زرت دولا كثيرة و حين عشت في بلد المغرب أحببته لذا لن أغادر كيفما كان الحال مدينة الجديدة التي أصبحت وطني الجديد، واذكر أني أجد منها الجدوى ، بيتي بجانب البحر، جاري الوحيد، انه السحر الدائم ، وملهمي اليومي وصديقي الضروري ناهيك عن الضيافة الأسطورية والترحاب المغربي الذي يجعلني اسعد إنسان (j' ai eu dans ma vie le bonheur de connaître une bonne moitie de la planète mais je ne quitterais maintenant pour rien au monde la province d eljadida qui est devenue presque ma nouvelle partie ou j' ai impression de trouver ou plonger mes véritables racines. J'ai la mer pour unique voisine un enchantement permanent ou je me ressource a volonté. Elle est mon inspiratrice quotidienne et mon indispensable amie qui associée a la légendaire hospitalité et a la cordialité marocaines fait de moi un homme heureux et serein.) نحكي حكايته وننقل تجربته الصادقة لأنها تجربة الورد والشوك مع المرض والفقد والشوق وان كان لايحب أن يتحدث لأي شخص عن همومه وأحزانه،وفوق هذا هي تجربة حاذق متخصص في مهنة المتاعب تطاولت إلى نيف وأربعين سنة أي مند عام 1960كان(مشيل أمونغال) (michel amengual) ودودا وطيب القلب مع معارفه وأصدقائه حتى مع العامة التي كان يلتقي بهم أثناء تجواله في شوارع الجديدة،يبادلهم التحايا باعذب العبارات ، وعلى العموم كان رقيق القلب، متحدثا لبقا ، يمتاز بالحضور الدافئ في كل اللقاءات العلمية والمهرجانات والموائد الأدبية و الثقافية التي يحضرها منذ استقراره في الجديدة قبل زهاء ستة سنوات ، يقيم ميشيل في بيت هادئ بل صامت صمت الدير في زقاق على ساحل سيدي بوزيد ،يعيش ،يقرأ، يكتب ، يدون ، ويستمع إلى عصافيره التي أحبها حتى النخاع ،كصحافي ، مترفعا عن صغائر الحياة وتفاهة تفهائهابعد سنوات قضاها في التعليم اختار ميشيل امونغال مهنة المتاعب كصحافي متخصص في الربورتاجات السياسة الدولية ثم في راديو فرنسا الدولي والقناة الفرنسية الثالثة الشئ الذي سهل عليه زيارة دول افريقية عديدة بالإضافة إلى الشرق الأوسط وآسيا، وكان يستدعى طيلة مشواره المهني لتقديم مساعداته لعدد من الإذاعات في أفريقيا حيث عمل كمستشار لمديري الإذاعات الافوارية والتشادية والسنغالية والساحل العاجية مما أتاح له فرصة الاتصال اليومي بعدد من رؤساء هذه الدول الإفريقية فعاش في ظلهم وتشبع بإنسانيتهم واشتغل أيضا مستشارا لرئيس الجمهورية الإسلامية لجزر القمر بالإضافة إلى مسؤوليته عن إدارة الإذاعة في هذا البلد وفي سنة 1984 عين مديرا لجامعة الراديو والتلفزة الدولية () بما فيها الدول العربية وعلى رأسها الإذاعة والتلفزة المغربية،وحين أراد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إنشاء تلفزة للشعب الفلسطيني اختار التلفزة الفرنسية وهو فخور لاختياره ببدء المفاوضات في هذا الشأن والتي سمحت بإنشاء هذه التلفزة برام الله بتمويل من الاتحاد الأوروبي يقول ميشل( أنا سعيد بمساهمتي وعطائي لهذا الشعب الذي حاول من خلال التلفزة إظهار هويته )وكان ميشل ولازال مهتما بتاريخ الشعوب إذ إن إيمان ميشيل كان دائما ولازال بالعقل والتقدّم راسخ لا يتزعزع،وهو يعقد آماله على معنى الحب والسلام ودوره كوسيط ما بين الشعوب والحضارات ، وقد ألف كتابا حول تاريخ أفريقيا كتب مقدمته الرئيس السينغالي بكثير من المدح وهذا ما جعله يقول (أنا متحمس لتاريخ ومآثر وأعراف وتقاليد الشعوب، ومن هنا أقدم دعمي المتواضع وسنوات خبرتي الطويلة في العمل الصحفي والإعلامي وتجاربي الحياتية ومخزوني المعرفي لرقي المعالم التاريخية والثقافية لإقليم دكالة) ومن جهة أخرى يحاول مييشل أن يشكل له حضورا لافتا بإصدار مجموعة شعرية استوحى بعض منها من انطباعاته عن المغرب فيضيف قائلا ( لدي مشروع عن تاريخ واد أم الربيع ،أقدم من خلاله المدن والتخوم المجاورة التي تحادي الوادي)ولكن، ترى ما الذي دفع بهذا الرجل بعيدا، إلى هذا الحد عن بيته ووطنه،... ؟حين سألته شعرت كأني فتحت جرحا غائرا في نفسه فغاصت الكلمات في حلقه ولم يستطع أن يقول أكثر من هذه الجمل ( حين الم بي مرض السرطان كنت أفكر في التقاعد والاستقرار نهائيا في بلد ما وقد جربت الحياة في بلدان كثيرة منها الأوروبية طبعا لكن اختياري لبلد المغرب جاء في آخر المطاف بناء على زيارة لي لصديق يقطن مدينة الصويرة وما أن زرت مدينة الجديدة، حتى أدركت أني لا أستطيع أن أحيا إلا فيها مرتبطا بسكانها الطيبين ومعتنقا حياتهم البسيطة، ففي الجديدة لا يمكنك أن تقاوم شعورا غريبا، كلما اقتربت منها وأحببتها ازداد عطشي وتعطشي إليها) وثابر ميشيل أمونغال على الابتسام وهو يتابع حديثه(ليس شرطا أن تكون مغربيا لتعشق الجديدة، قد تكون عربيا وقد تكون غربيا أو حتى من أقصى الشرق، وسواء كنت من بين ساكني المدينة أو من بين زوارها ، يبدو القادمون إليها وكأنهم يسابقون الزمن للتمتع بطبيعتها الخلابة و بهوائها المنعش ، فحين تشتد حرارة الصيف فان من حسن حظ الجديدة أن البحر لا يتركها لقساوة حرارته تتدخل الشواطئ الجميلة لتوقض نفحات النسيم الناعم)،هكذا اذن اختار مشيل مدينة الجديدة واختار أن يحيا ويعيش كواحد من أهلها الذين أحبهم بعمق وكن لهم الاحترام كله فارتبط بهم بصلة الصداقة والسلام