ما يجري في بني بوعياش وإمزورن , يستوجب إبداء ملاحظات حول طبيعة المنطقة والأحداث الجارية فيها، وهنا لا بد من إستحضار واقع الريف والتراكمات السياسية والنفسية والإجتماعية التي عرفتها المنطقة منذ سنوات، وكيف تعاملت الدولة/المخزن مع هذه المنكقة بحذر مبالغ فيه منذ الإستقلال وإلى اليوم، وتركتها فريسة لإقتصاد يتراوح بين التهريب والمخدرات، أي إقتصاد يقع تحت رحمة الدولة، فإن أرادت إغماض العين الحمراء تفعل، وإن شاءت العكس كشرت عن أنيابها بدون رحمة وجعلت سكتن المنطقة في غالبيتهم بين مهاجر أو معتقل أو في حالة سراح مؤقت، إضافة إلى ذلك عملت جهات داخل المخزن على جعل كتابة تاريخ تحريضي للمنطقة، فيه الكثير من التجني على الوقائع وفيه الكثير من التحريض على المستقبل، هذا الواقع خلف ميلاد تاريخ محلي فيه جوانب أسطورية كرد فعل على التاريخ الرسمي الذي يريد تجاهل المنطقة وإسهامات رجالها ونسائها بصفة نهائية، وخلف هذا التاريخ والتاريخ المضاد ذهنية تعيش عزلة مفروضة تنضاف إلى عزلة الطبيعة، وبنظرة بسيطة إلى البنيات التحتية للمنطقة قبل عشر سنوات ستوضح إلى أي حد كانت منطقة الريف تعيش على هامش الدولة الرسمية.. في الواقع كغيرها من عدد كبير من المناطق خاصة في الأطلس المتوسط والكبير والصحراء الشرقية، لكن في الريف ولأسباب تاريخية خاصة، كان لهذا تأثير خاص..لهذا ليس غريبا أن يخرج علينا البعض هناك بعلم لجمهورية مزعومة في الريف، يتم نزعها عن سياقها التاريخي ويتم توضيفها في إطار تقليد ما جرى في ليبيا ويجري اليوم في سوريا. في ظل هذه الوضعية لازال الإعلام الرسمي لم يتمكن من القدرة على تتبع ما يجري، ولازال وفيا لمنطق التغطية على الأحداث وليس تغطية الأحداث، وهو ما جعل الناس فريسة لإعلام موجه عبر الأنترنت وبعض الفضائيات المتخصصة، بشكل يزرع الفزع لكنه من جهة أخرى يمنح للحالمين بالثورة سواء بصدق أو بمنطق المؤامرة على الوطن، دافعا كبيرا لإستنساخ التجربة في مناطق أخرى من البلاد، والأحداث الأخيرة سواء في تازة أو بني بوعياش، إتسمت بجرأة كبيرة على رموز الدولة سواء من خلال إحراق سيارات الأمن أو الأخطر من ذلك من خلال مخاطبة رئيس الدولة بشكل غير لائق وغير مسبوق، ويخرج عن حدود اللياقة والتعبير عن المواقف. إن ما يجري اليوم في الريف، يحتاج معالجة خاصة ليس فقط المواجهة الأمنية المهنية ولكن أساسا مقاربة تنموية عادلة ومنصفة على أرضية مراجعة تاريخ المنطقة وفرز ما التصق به من جوانب أسطورية وإيديولوجية , لا تساعد على إستعادة الهدوء.