تعتزم إسبانيا التي تستضيف قمة لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، إقناع التكتل بالأهمية الاستراتيجية للتهديدات التي يتعرّض لها جناحه الجنوبي، لكن في ظلّ الحرب في أوكرانيا، فإن الأولوية بالنسبة إلى شركائها هي بشكل واضح في مكان آخر، بحسب محللين. ويُفترض أن يتمّ تبني خلال هذه القمة التي تُعقد من 28 إلى 30 يونيو الجاري في العاصمة الإسبانية، "المفهوم الاستراتيجي" الجديدة للناتو، الذي سيمثّل المراجعة الأولى لخريطة طريق الحلف منذ 2010. وهذه فرصة كانت تحلم بها مدريد للدفع من أجل النظر إلى الأمور "من كل الزوايا" بما في ذلك التهديدات غير التقليدية مثل الإرهاب أو "الاستخدام السياسي لموارد الطاقة والهجرة غير القانونية" من الجنوب، وفق ما أكد وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس. وشدد ألباريس خلال مؤتمر صحافي على أن "التهديدات تأتي من الجناح الجنوبي بقدر ما تأتي من الجناح الشرقي" "تهديدات روسية" في إفريقيا لمحاولة إقناع شركائها بأهميّة الجناح الجنوبي، تلوّح مدريد بالتهديد الروسي في إفريقيا، ولمحت أيضاً إلى أن موسكو هي التي تقف خلف خلافها مع الجزائر، بل أن الحديث بدأ يتردد داخل الأوساط الأمنية من أن الجزائر تسهل لروسيا توغل مرتزقة فاغنر إلى مالي، مقابل الاتكاء على الفيتو الروسي داخل مجلس الأمن في قضاياها التي تعتبرها مصيرية خصوصا قضية الصحراء. وقال ألباريس الأربعاء الماضي "للأسف، التهديدات التي تأتي من الجنوب هي أكثر فأكثر تهديدات روسية آتية من الجنوب". وتندد الحكومة الإسبانية بالوجود المتزايد لمرتزقة روس من مجموعة "فاغنر" الخاصة في مالي وإفريقيا الوسطى. وطبقاً لإسبانيا ودول أخرى بالحلف مثل فرنسا وبريطانيا، تنشأ التحديات الأمنية في إفريقيا من موقف الرئيس فلاديمير بوتين لاستعادة الأمجاد الإمبراطورية لروسيا. وتقول دول غربية إن روسيا اكتسبت زخما بفضل وجود مرتزقتها في منطقة الساحل الإفريقي، وهي رقعة شبه قاحلة تمتد من السنغال إلى السودان وتعاني من الفتنة السياسية والإرهاب والجفاف. وينفي الكرملين صلاته بمجموعة "فاغنر"، وهي قوة مرتزقة لها وجود متزايد في وسط وشمال إفريقيا والشرق الأوسط وأصبح لها موطئ قدم في ليبيا ومالي والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى. في مالي بالتحديد، يملأ جنود فاغنر الفراغ الذي أحدثه خروج القوات الفرنسية. وفي السودان، عرضت موسكو على الخرطوم تحالفاً اقتصادياً حصلت مقابله على وعد بإنشاء قاعدة بحرية روسية في البحر الأحمر. في جمهورية إفريقيا الوسطى، يحمي مقاتلو فاغنر مناجم الذهب والماس في البلاد. في المقابل، يحصل بوتين على حلفاء دبلوماسيين وموارد جديدة. بوابة الهجرة إلى أوروبا وتخشى مدريد خصوصًا من أن يؤدي انعدام الاستقرار في هذا الجزء من القارة الإفريقية إلى زيادة الهجرة غير القانونية نحو أوروبا، وفي المقام الأول إسبانيا. وأصبحت إسبانيا الواقعة على مسافة كيلومترات قليلة من السواحل الإفريقية، إحدى أبرز بوابات دخول المهاجرين غير القانونيين إلى أوروبا. ودليل إضافي على ذلك، هو ما حصل الجمعة من محاولة دخول جماعية إلى جيب مليلية الإسباني الواقع على الساحل الشمالي للمغرب مما أدى إلى مقتل 23 مواطنا إفريقيا.