كشف تسريب صوتي للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، يوثق لكلمته التي بلغت مدتها 25 دقيقة مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، عن تغير جذري في اللهجة والمواقف من بعض القضايا مقارنة بما يصدر عنه خلال حديثه لوسائل الإعلام الجزائرية، وخاصة موقفه من إسرائيل، إذ لم يعد الأمر يتعلق بصراع وجودي بل بدولة لا تربطها بالجزائر أي مشكلة إلا القضية الفلسطينية، والتي يمكن أن تنتهي بمقترح حل الدولتين وأن يحول الأمر إلى "سلام" بين البلدين. وبلسان فرنسي ثقيل تفَوَّقَ عليه بوضوح إتقان بلينكن للغة الفرنسية الذي كان جليا في كلمته المقتضبة، تطرق تبون إلى علاقات بلاده مع المغرب بمنطق "الشكوى" حين عاد إلى حقبة الستينات ل"يتظلم" من حرب الرمال ومما اعتبره هجوما مغربيا على بلد لم يؤسس جيشه بعد، متهما إياه بأنه ذو رغبات توسعية استدل عليها بعدم اعترافه باستقلال موريتانيا إلا بعد 12 عاما من اعتراف الأممالمتحدة بذلك، لكن كل ذلك لم يكن إلا مدخلا للحديث عن قضية الصحراء، ومنها للمرور إلى العلاقة مع إسرائيل. وأورد تبون أن الجزائر ليست طامعة في الصحراء، وأنها تنطلق من موقفها الداعم ل"حق الشعوب في تقرير المصير"، مستغربا من أن تكون علاقات بلاده بالمغرب سيئة بسبب ذلك، انطلاقا من أمثلة أخرى على غرار دعمها لانفصال تيمور الشرقية عن إندونيسيا وحفاظ الجزائر على علاقاتها الدبلوماسية مع هذه الأخيرة، بل المثير للانتباه أكثر هو أنه استغرب من أن تظل الحدود مغلقة مع المغرب طيلة 40 عاما من عمر الاستقلال. وقال الرئيس الجزائري "ملف الصحراء نتعامل معه بالطريقة نفسها التي نتعامل بها مع القضية الفلسطينية"، لكنه لم يُبد أي عداء للدولة العبرية، إذ قال نصا إن "هناك مبادرة اتخذت على مستوى جامعة الدول العربية مفادها أن نعلن السلام مع إسرائيل على أن تقوم إسرائيل بالاعتراف بدولة فلسطين، وهذا ما نتبناه إلى غاية اليوم، أي السلام مقابل الأرض"، ثم أضاف "لا صدام لدينا معهم (الإسرائيليون)، المشكلة الوحيدة هي فلسطين ولا شيء آخر مطلقا". ويتعارض هذا الكلام جذريا مع ما ظل تبون يصرح به أمام وسائل الإعلام الجزائرية، فقد سبق أن وضع عودة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل في دجنبر من سنة 2020 والزيارات الرسمية لمسؤوليها الحكوميين إلى المملكة، من ضمن الأسباب التي دفعته لاتخاذ قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط، بل واتهم هذه الأخيرة بأنها "جبلت العدو إلى الحدود الجزائرية"، وظل يحذر مما يصفه "التحالف المغربي الإسرائيلي الذي يُهدد الجزائر ويسعى للاعتداء عليها". ولا يختلف مضمون كلام تبون أمام وزير الخارجية الأمريكي كثيرا عن الموقف الرسمي المغربي الذي عبر عنه الملك محمد السادس فور إعلان عودة العلاقات المغربية الإسرائيلية، والذي جدد التذكير به وزير الخارجية ناصر بوريطة في "قمة النقب" التي حضرها بدعوة من نظيره الإسرائيلي يائير لابيد، حيث شدد أمام هذا الأخير وأمام بلينكن على أن المملكة "تدعم حل الدولتين لإنهاء الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عبر إنشاء دولة فلسطينية على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية".