هذه أحوال الطقس لهذا اليوم الأحد بالمملكة    سويسرا تعتمد استراتيجية جديدة لإفريقيا على قاعدة تعزيز الأمن والديمقراطية    وزير الخارجية الأمريكي يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    هجوم ماغدبورغ.. دوافع غامضة لمنفذ العملية بين معاداة الإسلام والاستياء من سياسات الهجرة الألمانية    الجيش الباكستاني يعلن مقتل 16 جنديا و8 مسلحين في اشتباكات شمال غرب البلاد    "سبيس إكس" الأمريكية تطلق 30 قمرا صناعيا جديدا إلى الفضاء    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود جلالة الملك من أجل الاستقرار الإقليمي        تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري            اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقات المغربيّة-الإسبانيّة الرّاهنة: قضايا عالقة وإكراهات مُؤرقة
نشر في الصحيفة يوم 12 - 03 - 2022

من المعروف ،ومن نافلة القول أن الجغرافيا، والتاريخ،والتعايش، والتقارب، والتداني والتبادل كل هذه العناصر الصالحة لم تأت عفواً ولا عبثاّ ولا اعتباطاً لتحديد واقع العلاقات المغربية الاسبانية منذ أقدم العهود ،بل إنّ القدرُ هو الذي هيّأ للبلديْن ان يعيشا جنباً الى جنب نظراً للاواصر الحضارية المُشتركة، والمورثات التاريخية، والعلاقات الثقافية التي تجمعهما.. كلّ تلك العناصر تحفزهما أكثرَ من أيّ وقتٍ مضى لزيادة تعزيز وتقوية الأرضية الصّلبة لعلاقاتهما الثنائية فى مختلف مرافق الحياة. وهما بحُكم موقعهما الجغرافي الممتاز، والجيوستراتيجي المتميّز،إنطلاقاً من"ماضٍ" حضاريٍّ تقاسماه ، و"ثقافةٍ" رفيعةٍ نَسَجَا إشعاعها سويّاً، وبحُكم "الحاضر" الواعد الذي يعيشانه ، و"المستقبل" الواعد الذي يتطلّعان إليه ، كلّ ذلك ينبغي ان يجعل منهما بلديْن واعييْن كلّ الوعي بالدّور المنوط بهما لتحقيق المزيد من التقارب، والتفاهم، والعمل على زيادة تمتين عُرَى صداقة أوثق، وترسيخ أواصر مودّة أعمق.ومدّ جسور التعاون بينهما فى مختلف المجالات العلمية والتكنلوجية والاقتصادية والتجارية ،وفى مختلف أوجه التعاون الحيوية بينهما ذات الإهتمام المشترك التي يفرضها عليهما العصر الحديث بكل مستجداته وتطوراته وتحدياته .
الموروثات التاريخيّة والثقافيّة
كانت وما تزال لصّداقة القائمة بين البلدين ، والتعاون المثمر الذي يجمعهما يَعكسان مقدارَ الرّغبة التي تحدوهما لزيادة بلورة طموحهما،وتوسيع تعاونهما فى مخططات التعاون الثنائيّة، والمشاريع الإستثمارية،والإنمائيّة، والصناعية الكبرى المشتركة حيث أصبحت اسبانيا اليوم تحتلّ المرتبة الأولى في هذا القبيل في المغرب. كلّ ذلك ينبغي أن يواكبه تبادلٌ ثقافيٌّ خِصب متنوّع ، وتعاون علمي مكثّف يزيدهما تعارفاً،وتفاهماً ،وتناغماً،ويعمل على زيادة تمتين أواصرالصّداقة والمودّة،وتوفير الإحترام المتبادل بينهما. هذا على الرّغم ممّا يشوب علاقاتهما بين الفينة والأخرى من أخذٍ وردّ، وطبخٍ ونفخ، وفتقٍ ورتق ! ولا غرو فالموروث التاريخية، والثقافية، والحضارية المشتركة بين البلدين تشكّل ولا ريب أرضية صلبة، وحقلًا خصباً ممّا جعلهما ينفردان بخصوصّيات قلّما نجدها لدى سواهما من البلدان الأخرى ،الشئ الذي أفضي الى خلق نوعٍ من الإستمرارية والتواصل الدائمين في علاقاتتهما منذ عدّة قرون إذ ينبغي التذكير في هذا القبيل ان التبادل الدبلوماسي بين البلدين يعود إلى القرن السّابع عشر حيث كان للمغرب قصب السّبق فى ذلك بين دول الجوار، فكانت البعثات،والسّفارات،والرحلات الدبلوماسيّة المغربية هي الأولى التي زارت إسبانيا بدءاً ببعثة إبن عبد الوهّاب الغسّاني سفير السّلطان المولى إسماعيل خلال حكم العاهل الاسباني كارلوس الثاني (1691-1690)، ومروراً بالسّفراء: الزيّاني(1758)، وأحمد المهدي الغزال (1766)، وإبن عثمان المكناسي(1779) ،والكردودي (1885) إلخ،كلّ هذه الإتصالات المبكّرة شكّلت فى العمق" دبلوماسية سياسية" من الطراز الرّفيع، إذ أولت جميع هذه السفارات،والبعثات والاتصالات التي تلتها لهذا الجانب أهميّة قصوى،وعناية فائقة في حدمة مصالح البلدين المشتركة في مختلف المجالات ،وجدير بالماسكين بزمام الامور في اسبانيا في الوقت الراهن ان يعودوا الى تصفّح تاريخ بلادهم لاستخلاص العناصر الصالحة التي لم تظهر من العدم بل من تعاون متين مثمر بين البلدين في مختلف الميادين .
الأحكام المُسبّقة المغلوطة
إنطلاقاً من هذا المفهوم،وتماشياً مع هذا السّياق ما فتئ المثقفون المغاربة والاسبان ، فى كلتا الضفّتين يؤكّدون على الدّور المحوري الذي ينبغي ان تلعبه الثقافة،أو بالأحرى ينبغي أن تضطلع به الثقافة فى توثيق وتعميق العلاقات بين البلدين ، للتصدّي للأفكار الجاهزة، وكبح جماح الأحكام المسبّقة ، وتصحيح التصوّرات الخاطئة المنتشرة بينهما ، فقد أصبح الإهتمام فيهما يتنامى بالفعل بشكل فعّال ، وينبغي على الطرفين التصدّي فى هذا القبيل للمفاهيم المُعوجّة التي لا تقدّم صورتهما الحقيقية وحقائق تاريخهما المشترك، والتي تنتشر أساساً لدى الشرائح ذات الثقافة الضيّقة،وبالتالي فالوسيلة الوحيدة لمحو هذه التصوّرات المُزْوَرَّة التي لا تمتّ الى الحقيقة بصلة هي العمل سوياًّ على واجهات التربية والتعليم، والإعلام، والثقافة،والفنون فى كل من المغرب وإسبانيا. إنه مجال خصب يتطلب تعبئة مختلف وسائل الإعلام لنقل الصّورة الحقيقية عنهما ، وتصقيلها،وتقديمها بالشكل الصّحيح غير المغلوط ،والحقّ أنّ المثقفين الإسبان والمغاربة في الضفّتيْن لم يدّخروا وسعاً فى بذل الجهود المتواصلة فى العقود الأخيرة من أجل تفعيل وتلميع الصورة الحقيقية للبلديْن ،هذه الاتصالات المبكّرة بين هاذين الفضائين المتجاورين زادها العنصرُ الجغرافي متانةً وتدفّقاً، وقوّةً وتواصلاً ، فضلاً عن الجانب الحضاري والثقافي الذي يُعتبر عنصراً فريداً في بابه في تاريخ الأمم ،كلّ هذه الخصوصيّات والخصائص الفريدة هي التي طبعت علاقات الضفتين على إمتداد الحقب والعهود.
قضايا شائكة واكراهات مؤرقة
ولكي نكونَ واقعيين فى هذا الطّرح، تجدرالإشارة إلى أنّه على الرّغم من الزّخم الهائل الذي يطبع العلاقات الثنائية بين البلدين، والبريق اللمّاع الذي يضيئها،ويوحي للعيان أنّها كانت دائما على خير ما يُرام فى مختلف المرافق، والقطاعات، ،فإنه ينبغي لنا ألاّ نغفل، أو أن ندير ظهورَنا لقضايا أخرى ثنائية هامّة شائكة وأمورعالقة ،وإكراهات مُؤرقة ما زالت تثقل كواهلنا ، وتقلق مضاجَعنا، ممثّلة فى جملة من المطالب التاريخية المشروعة المتوارثة من العهد البائد التي ما زالت تنتظر الحلول الناجعة لها وهي قضايا لا تخفى على أحد، ويعرفها القاصي والدّاني على حدٍّ سواء، هذه الأمور ما فتئت تواجهنا بإلحاح ، ولا ينبغي أن نسلك حيالها مسلك النّعامة فى إخفاء رأسها فى الرّمال، وعدم رؤية الواقع الحقيقي الذي نعيشه، ونلمسه،ويتجسّد نصب أعيننا، ويمكن حصر بعض هذه القضايا كما يلي :
الصّحراء المغربية..خط أحمر
ما فتئت اسبانيا تتعنّت وتتحربأ في مواقفها حيال جارها الأهم في الشقّ الجنوبي على امتداد التاريخ ففي الوقت الذي لا يتوقف ولا يتورّع كبار المسؤولين الاسبان في المدة التخيرة بدءاً برئيس الحكومة السيد بيدرو سانشيس ووزير الخارجية الاسبانية خوسّيه مانويل الباريس وسواهما من المسؤولين اللآخرين الرفيعي المستوى في الالحاح على ضرورة عودة العلاقات الثنائية بين البلدين الى حالها السابق والتأكيد في كل مناسبة على ان المغرب يعتبر جاراً استراتيجياً هاما بالنسبة لاسبانيا مع ذلك نجدهم يقومون –مقابل ذلك- بتصرفات تنأى عن الصواب منذ استقبال اسبانيا بشكل سري مشبوه لزعيم الانفصاليين تحت ذعيرة العلاج، وصولاً الى انفراد رئيس الحكومة الاسبانية باستقباله للاتفصالي غالي خلال القمة الاوربية الافريقية ببروكسيل في حين ان هذا الأخير لم يُستقبل قطّ من طرف أي رئيس أوربي آخر حيث عاد الى مخيمات العار خاوي الوفاض ،ومعروف ان الرئيس سانشيس فعل ذلك محاباة ومداهنة ومصانعة للجهة التي تمده بالغاز الطبيعي في هذه الظروف الصعبة التي يجتازها العالم بعد اندلاع الحرب الروسة الأوكرانية ، وعلى الرغم من الدعايات المغرضة والاكاذيب المزيفة التي اطلقها الخصوم والبروباغاندا التي كانت تروجها جبهة البوليساريو الانفصالية بخصوص حصولها على اعتراف أوروبي لصالح ما تسميه "الجمهورية الصحراوية" إثر مشاركة إبراهيم غالي، في أشغال قمة الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي الآنفة الذكر،سرعان ما جاء الردّ الحاسم مفحماً من طرف الممثل السامي للسياسة الخارجية للاتحاد الاوربي جوزيب بوريل الذي اكد في تصريح رسمي قطعي ان الاتحاد الأوربي لا يعترف بما يسمّى "الجمهورية الصحراوية".
وحتى وإن لم ترحّب إسبانيا بالقرار الأمريكي عند اعترافه بسيادة المغرب على صحرائه المسترجعة حسب تصريح يُنسب لوزيرة خارجية مدريد السابقة .وعلى الرّغم من المشاورات المُفترضة التي قد تكون أجرتها اسبانيا مع فريق الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن لجسّ النبض عن إحتمال مراجعة واشنطن لإعترافها بسيادة المغرب على صحرائه. على الرّغم من كلّ ذلك، فقد بدّد هذه الشكوك والفرَضيات الردّ المغربي الذي جاء صارماً على لسان وزير خارجيته السيد ناصر بوريطة بأنّ المغرب لن يقبل في المستقبل الحديث عن أيّ حلٍّ عادلٍ ودائم بل عن مقترح الحكم الذاتي كأرضية لحلّ هذا النزاع المفتعل . مع ذلك كلّه فإنّ اسبانيا باعتبارها طرفاً تاريخياً أساسياً ورئيسياً في هذا النزاع الاقليمي المفتعل الذي طال أمدُه بسبب تعنّت الأشقاء وراء التخوم الشرقية، مدعوّة بأن تفتح عيونها جيّداً ، وأن تصحو من غفوتها، وأن تقوم بحسابات براجماتية جديدة لتقوم بمبادرة أو مبادرات تعود بها إلى رشدها، وتؤوب الى صوابها في هذه القضيّة الحاسمة التي تُعتبر من أولويّات قضايا المغرب الحاسمة والتي تدخل في صلب اهتماماته ولقد اكدت مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية، ويندي شيرمان،تأكيد واشنطن ودعمها لمخطط الحكم الذاتي المغربي، حيث اعتبرت نائبة وزير الخارجية الأمريكي، أن الولايات المتحدة لا تزال تنظر إلى "خطة الحكم الذاتي المغربية على أنها جادة وذات مصداقية وواقعية".جاء ذلك في سياق المشاورات السياسية التي أجرتها مؤخراً بالعاصمة الرباط،مع ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج حيث أشادت من جديد بموقف بلادها الولايات المتحدة الداعم للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وكانت السفيرة الممثلة الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت،قد ابلغت قبل ذلك رسمياً مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة، بفحوى الإعلان الصادر عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، والذي يعترف بالسيادة الكاملة والشاملة للمغرب على الصحراء. ويجدر بنا التذكير أنّ اسبانيا كانت تستغلّ هذا الجانب من قبل في كلّ مناسبة لتقايض به مصالحها مع المغرب،فعلى اسبانيا أن تدرك جيّداً أنه بعد الخطوة الجريئة التي أقدمت عليها واشنطن، وبعد ما أمسى يروج هذه الأيام ويُطبخ في فرنسا والمانيا واسبانيا ذاتها من مفاجآت وإرهاصات تنبئ عن قرب حدوث انفراجات حول هذا الموضوع ،كلّ تلك العناصر الآنفة الذكر قد تُفضي الى حدوث تطوّرات إيجابية جذرية في هذا النزاع المصطنع ممّا سيجعل المغرب في موقعٍ أكثرَ قوّة من ذي قبل سيُحسَب له منذ الآن ألف حساب.
سبتة ومليلية دائماً على البال
عندما يثار الحديث عن سبتة ومليلية في مختلف الأوساط الأدبية والتاريخية والشعرية يقفز إلى الذهن على الفور بيت قرأته ذات مرة فى كتاب " أزهار الريّاض فى أخبار القاضي عياض" للعالم الحافظ الجليل شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى، أبو العباس المقرّي التلمساني فحفظته رأساً عن ظهر قلب ، يقول الشاعر فيه عند تحيته لمدينته سبتة السليبة : (ٌ سلامٌ على سبتة المَغربِ / أخيّةَ مكّةَ ويثربِ) . المدينتان المغربيتان المحتلتان سبتة ومليلية، والجزر الجعفرية ، وصخرة النكور ،والجزيرتان الصغيرتان المحاذيتان لشاطئ "الصّفيحة" بأجدير (قرب مدينة الحسيمة)، وشبه جزيرة بادس، وجزيرة ليلى تورة كلها ما زالت تذكّرنا عند إنبلاج كل صباح بأنّه ما زالت هناك قضايا تاريخية جادّة عالقة تمسّ السّيادة الوطنية فى الًّصّميم . كانت مداخل ومخارج المدينتين السّليبتين قبل انتشار وتفشي جائحة كورونا اللعين تفصح عن الوجه الآخر المؤلم لهذا الموضوع ، حيث كان المواطنون المغاربة يَعْبُرونُ هاذين المعبريْن الارضييْن ذهاباً أو إيّاباً على مضض لعناق بعضهم البعض ،وإحياء صلة الرّحم فيما بينهم وراء الأسلاك الشائكة التي تفصل بينهما،فى زمنٍ تهاوت فيه كلّ الجُدران مهما كان علوّها وارتفاعها،وقد زادت جائحة كورونا ومتحوّراتها من معاناة هؤلاء المواطنين الذين كانوا يحصلون على قوت يومهم من هاذيْن الثغريْن بعد أن تمّ إغلاقهمابصفة نهائية منذ بداية انتشار هذا الوباء المُفزع .
الغازات السامّة والأسلحة الكيمياوية فى الرّيف
لا ريب ان موقف إسبانيا من إستعمالها للغازات السامّة، والأسلحة الكيمياية المحظورة فى حرب الرّيف التحرربة اصبح يُثار بإلحاح فى المدّة الأخيرة داخل المغرب وخارجه ،بل إنّه أمسى يُثار حتى داخل إسبانيا نفسِها، فهل فى مقدور الجارة الشمالية اليوم الإقدام على إتّخاذ خطوة تاريخية جريئة للمصالحة النهائيّة مع ماضيها المعتم والغاشم فى المغرب بتقديمها إعتذارٍشجاع للشّعب المغربي، بشكلٍ عام،ولأهل الرّيف على وجه الخصوص، من السكّان الآمنين،وتعويضهم إنسانيًّا، وحضاريّاً- حسب ما تمليه القوانين اللدّولية فى هذه الجريمة النكراء -وقد أصبح هذا الموضوع الحيوي الهامّ يستأثر بحدّة بإهتمام الرّأي العام المغربي والإسباني على حدٍّ سواء، المتعلق بالتظّلم المُجحف،والأضرار الجسيمة التي لحقت بالعديد من الأسر والعائلات التي ما زالت تُعاني فى مختلف مناطق الرّيف من الآثار الوخيمة ل (أوبئة السرطان اللعين) الناجمة عن إستعمال هذه الأسلحة الكيمياوية الفتّاكة المحظورة من طرف إسبانيا بعد الهزائم المُنكرة التي تكبّدتها فى حرب الرّيف ؟ .
الجالية المغربية المقيمة فى إسبانيا
غير خاف على أي متتبّع للشأن الاسباني – المغربي ما تعانيه الجالية المغربية المقيمة فى إسبانيا التي أصبحت تقارب المليون نسمة من ضائقة خانقة فى خضمّ الأزمة العويصة التي تعيشها إسبانيا فى الوقت الراهن التي لن تعرف بوادر الخروج منها إلاّ بعد انحسار الجائحة التي ضربت الاقتصاد الاسباني فى مقتل،وزادتها صعوبة الحرب الروسية الأوكرانية وتنعكس هذه الأزمة سلباً بشكل او بآخرعلى هذه الجالية ذلك أنّ معظمَهم كانوا يشتغلون في قطاعيْ الفلاحة والبناء اللذين يعرفان اليوم ركوداً كبيرًا، وأصبحوا عرضة للتسريح المجحف ،والإرتماء فى أحضان البطالة. وحسب الخبراء فإنّ الحلول لا تبدو فى الأفق القريب، نظراً لإنعدام تواصل جاليتنا مع النّخبة السياسية الإسبانية،وعدم توفّر وسائل الدفاع عنهم وعن حقوقهم مع صعود اليمين المتطرف (فوكس) واذبانه ،وينبغي التذكير ان الحكومة الإسبانة السابقة كانت قد صادقت على قانون للهجرة غيرِ منصفٍ بالنسبة للمغاربة، مقابل السياسة التفضيلية والتمييزية التي يحظى بها مواطنو بلدان أمريكا اللاتينية.والحالة هذه ينبغي على بلادنا مضاعفة جهودها لتقديم مختلف وسائل الدّعم لهم فى هذه الظروف العصيبة.
الهجرة السريّة أوغير الشرعيّة
على الرّغم من الجهود المبذولة فى هذا المجال،لمحاربة أو جعل حدٍّ للهجرة السريّة واللاّشرعية التي تفاقمت بشكل مهول فى خضمّ جائحة كورونا ممّا أصبح الأمر يدعو للقلق ، ما فتئت التساؤلات تطرح عن الإجراءات، التي إتّخذها المغرب لإيجاد الحلول المناسبة العاجلة والناجعة لمواجهة هذه المعضلة الإنسانية لمواجهة هذا الزّحف العرمرم نحو المغرب وإسبانيا، ولقد أضيفت إليه مؤخراً جزر الخالدات الشئ الذي أمسىَ ينذر بعواقب قد لا تُحمد عقباها فى مختلف الواجهات الأمنية ،والإرهابية،والإجتماعية، والإنسانية، والصحّية وسواها ..؟ ومعروف أنّ الاجتماعات الثنائية الرّفيعة المستوى التي كان من المقرر ان تعقد بين البلديْن والتي كانت ستعالج هذا الموضوع بالذات إلى جانب قضيّة الصحراء وسواهما من المواضيع الأخرى ذات الاهتمتم المشترك قد أجّلت في عدة مناسبات حتى تنقشع الغيوم التي ما فتئت تجثم على عيون بعض المسؤولين الإسبان الحديثيّ العهد بالسياسة الذين ( لم يستطيعوا No han podido ) فهم واستيعابَ عمق وجوهر العلاقات المغربية الاسبانية وفى طليعتها قضية الصّحراء المغربية على الرغم من انهم يسمّون أنفسهم أو يَسِمون تجمّعهم ب : ( Podemos ).!
طرد وإبعاد المُوريسكييّن
ما فتئ الاسبان يتمنّعون ويتعنّتون حتى اليوم فى تقديم إعتذار علني عن إشكالية طردهم، وإبعادهم "للموريسكيّين" الأندلسيّين "المُهَجَّرين"قهراً وقسراً من ديارهم ،والذين إستقرّ معظمُهم فى المغرب، وفى الجزائر وتونس ومن المعروف ان العاهل الإسباني السّابق خوان كارلوس الأوّل سبق له أن قدّم إعتذاراً لليهود ( السيفارديم) الذين أُبْعِدُوا من إسبانيا هم الآخرون،ولم يقم هو ولا خلفُه الحالي الملك فليبّي السادس بنفس البادرة حتى الآن مع الموريسكيين المسلمين. وبهذه المناسبة نهنّئ صفوة من المثقفين الإسبان الذين تربطنا واياهم علاقات صداقة وأواصر مودة منذ سنوات خلت الذين شاركوا فى غير قليل من اللقاءات الدّولية معنا نذكر منها على سبيل المثال (عقب الموريسكيّين والسفارديم بين التشريع الإسباني والقانون الدّولي) الذي نظمته "مؤسّسة ذاكرة الأندلسييّن" بالرباط والذي شاركتُ في أشغاله، وتُعتبرهذه البادرة خطوة تاريخية لهؤلاء الموريسكيين الذين تعرّضوا للطرد الجماعي، والإقصاء القسري، من وطنهم وأراضيهم بعد أن عاش أجدادُهم فيها زهاء ثمانية قرون ، وما إنفكّ العديد من مثقفي العالم الحرّ بمن فيهم الاسبان وسواهم يثيرون هذا الموضوع بلا هوادة.
*كاتب من المغرب ،عضو الأكاديمية الإسبانية – الأمريكية للآداب والعلوم – بوغوطا- كولومبيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.