لا يختلف اثنان حول كون مسؤولية الحكومة تتمثل في حسن تدبير الشأن العام وتنفيذ الوعود الانتخابية التي رفعتها مكوناتها خلال الحملة الانتخابية . لسوء حظ حكومة عزيز أخنوش أن المغرب يشهد موسما جافا شبيها بالذي عاشه نهاية الثمانينيات من القرن العشرين حيث اختفى الدقيق والأعلاف من الأسواق والمتاجر بفعل الاحتكار والاستغلال البشع للظروف المناخية والاجتماعية من طرف تجار الأزمات. إلا أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة حينها خففت نسبيا من حدة الأزمة (إشراف السلطات على تنظيم عملية بيع الدقيق منعا للاحتكار والزيادة في الأسعار ، إلغاء أضحية العيد، دعم الفلاحين الصغار ..). لكن الذي لم تتعامل معه الحكومات السابقة وكذا الحالية بكل حزم ومسؤولية هو ارتفاع الأسعار الناتج عن الاحتكار . فالأمر لا يتعلق بمنتوجات مستوردة يخضع سعرها لقانون السوق الدولية ، بل بمواد ومنتوجات محلية ( الأسمدة ، الأعلاف ..) يتضاعف سعرها لأربع مرات أو أكثر .ذلك أن الفلاحين الصغار ومربي المواشي يشتكون جميعهم من هذا الغلاء دون أن تتدخل الحكومة في مراقبة الأسعار . إجراء لن يكلّف الحكومة غير إصدار مرسوم يحدد أثمنة الأعلاف والأسمدة التي ما أن يحل الموسم الفلاحي حتى ترتفع أسعارها بشكل صاروخي . ربما يتحمل الفلاح والكسّاب ارتفاع الأسعار في المواسم الماطرة أملا في مردودية أوفر تغطي المصاريف ، بينما لا عُذر للحكومة في السماح للمضاربين والمحتكرين باستغلال وضعية الجفاف لامتصاص دماء هذه الفئة . لقد حان الوقت لتتحمل الحكومة كامل مسؤوليتها الدستورية والوطنية لوضع حد لكل أشكال الاستغلال والاحتكار التي يذهب ضحيتها المواطنون عموما ،وسكان البوادي والقرى على وجه الخصوص لكونهم يتعرضون لاستغلال مضاعف: (استغلال في معيشتهم، استغلال في علف مواشيهم ، استغلال في مواد فلاحتهم ثم استغلال لجهدهم وأنشطتهم الفلاحية ) . ومعلوم أن القطاع الفلاحي يساهم بشكل رئيسي في نقاط نمو الناتج الداخلي الخام للمغرب ؛ إذ مرت نسبة مساهمته من 7٪ خلال العقد 1998-2008 إلى 17٪ خلال العقد 2008-2018 ، حسب تقرير "مخطط المغرب الأخضر: الحصيلة والآثار 2008-2018". فضلا عن كون قطاع الفلاحة يشكل أكبر مشغّل لليد العاملة بالمغرب وذلك بمساهماته بنسبة 38 % من إجمالي العمالة، والتي وصلت في المناطق القروية إلى 73.7%. هذه الأهمية الأساسية والدور المحوري الذي يلعبه قطاع الفلاحة في النمو الاقتصادي ،في التشغيل وفي توفير الأمن الغذائي للشعب المغربي أثبتت جائحة كورونا الدور الحيوي لهذا القطاع في تأمين الحاجيات الغذائية للمغاربة يستوجب على الحكومة التعجيل باتخاذ الإجراءات الضرورية للتخفيف من آثار الجفاف وإنقاذ الماشية من الهلاك بسبب الجوع والعطش . إن حكومة عزيز أخنوش ،ومنذ تنصيبها ،تعلقت حولها آمال ملايين المغاربة اعتبارا لأمرين جوهريين: أولهما : إزاحة البيجيدي عن رئاسة الحكومة التي استغلها ، لمدة عقد من الزمن، في إغناء أعضائه وإفقار الشعب المغربي . وما يعانيه المغاربة اليوم من شدة الغلاء وقسوة المعيشة إنما يتحمل فيه البيجيدي ، بشكل كبير ،المسؤولية بسبب القرارات المجحفة التي اتخذها ، وعلى رأسها: تحرير أسعار المحروقات ،إلغاء صندوق المقاصة، تجميد الزيادات في الأجور ، إلغاء الترقيات . يضاف إلى هذه القرارات الظالمة ، قرار الاستدانة التي باتت تثقل خزينة وتستنزف جزءا مهما منها كان من المفروض أن يُوجه نحو الاستثمار وتجويد الخدمات الاجتماعية ( نهاية سنة 2020، بلغت خدمة الدين حوالي 41 مليار درهم، مقابل 29 مليار درهم سنة 2019، و28 مليار درهم سنة 2018 ، ويتوقع أن تبلغ خدمة الدين 45 مليار درهم سنة 2024) . ثانيهما : تنفيذ النموذج التنموي الجديد الذي بلورته الكفاءات المغربية بالانفتاح على مختلف شرائح المجتمع وقواه السياسية والاقتصادية والمدنية الحية . ومعلوم أن النموذج التنموي السابق استنفذ فاعليته وطموحه ، مما فرض البحث عن نموذج تنموي جديد يستجيب لتطلعات الشعب وطموحاته . فلا خيار أمام الحكومة سوى أجرأة مضامين هذا النموذج وتجسيده على أرض الواقع . وأي فشل ، لا قدر الله، سيدفع الشعب والوطن ثمنه . إن الدولة الاجتماعية التي ترفع الحكومة شعارها تقتضي اتخاذ إجراءات حازمة ، خصوصا في وضعية الجفاف هذه التي يعرفها المغرب ، وكذا ارتفاع أسعار المحروقات . وفي مقدمة تلك الإجراءات التي يمكن أن تخفف من انعكاسات الجفاف على الفلاحين ومربي المواشي أساسا ، ثم عموم المواطنين : 1 إحداث صندوق تضامني خاص لمحاربة آثار الجفاف يتم تمويله من مساهمات الفلاحين الكبار الذين استفادوا لعقود من الإعفاء الضريبي ، وكذا الموظفين السامين والوزراء والبرلمانيين ،وجزءا من أرباح شركات توزيع المحروقات التي استغلت تواطؤ حكومتي البيجيدي معها لتوسيع هامش الربح . وفي هذا الإطار على الحكومة استرجاع مبلغ 17 مليار درهم الذي راكمته هذه الشركات بشكل غير قانوني وفق تقرير لجنة التقصي البرلمانية. 2 مراجعة أسعار المحروقات بما يتناسب مع القدرة الشرائية لعموم المواطنين ، مع تقليص هامش الربح المبالغ فيه (درهمان في كل لتر) ، بالإضافة إلى إعادة تشغيل "لاسمير" بأي طريقة كانت حتى وإن أدى الأمر إلى تأميمها عبر اكتتاب وطني . 3 إلغاء الدعم المالي المخصص لتجديد أسطول الشاحنات والحافلات وسيارات الأجرة ، وكذا الدعم الذي يستفيد منه كبار الفلاحين (الإعفاء الضريبي ، 4000 درهم عن كل عجل مولود ، الدعم لاقتناء الآليات والمعدات الفلاحية ..). 4 توفير الأسمدة والأعلاف والبذور في الأسواق ، وفق التعليمات الملكية ، مع تقنين أثمنتها وتشديد العقوبات ضد كل المخالفين والمحتكرين. إذ أثبتت التجربة أن الأعلاف المدعّمة لا تنج من الاحتكار ورفع الأسعار . 5 مراجعة أنظمة أسواق الجملة لتقليص تدخل الوسطاء وللحفاظ على أسعار معقولة للمنتوجات الفلاحية تنفيذا لرأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي أكد أن الوسطاء يزيدون من حدة المضاربة "مما يكون له انعكاس جلي على المنتج والمستهلك على حد سواء، خاصة بالنسبة للفواكه والخضروات، حينما لا تواكبها مراقبة صارمة ومستمرة ومكثفة بالقدر الكافي". 6 تنفيذ التوجيهات الملكية لرئيس الحكومة ووزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات ،بالإسراع بتنفيذ البرنامج الاستثنائي الذي أعدته الحكومة لمواجهة آثار الجفاف وتقديم المساعدة للفلاحين ومربي الماشية المعنيين بهدف حماية الرصيد الحيواني والنباتي ، وتدبير ندرة المياه . إذا كانت حكومة عزيز أخنوش غير مسؤولة مباشرة عن ارتفاع أسعار المحروقات وانعكاساتها على أسعار باقي المواد الاستهلاكية ، أو عن الجفاف الذي هو ظاهرة بنيوية في المغرب ، فإنها اليوم مسؤولة عن حسن تنفيذ البرنامج الاستثنائي باتخاذ التدابير اللازمة حتى تذهب المساعدات إلى مستحقيها . وكل تأخير لها عن اتخاذ الإجراءات العاجلة للتخفيف عن المواطنين من آثارهما ، سيجعلها مسؤولة أمام الملك وأمام الشعب ؛ الأمر الذي يضع مصداقيتها في الميزان ويحيي آمال المتربصين بها في العودة إلى المشهد السياسي والاجتماعي بعدما خرّبوهما .