لم تكن الانتخابات الأخيرة التي شهدها المغرب في 8 شتنبر الماضي، سقطة مدوية لحزب العدالة والتنمية فقط، بل أيضا كانت فشلا لعدد من الأحزاب السياسية الأخرى، التي اضطرت الآن إلى أن تتجه لصف المعارضة أمام أغلبية حكومية قوية، أو هكذا تُرى على الأوراق والأرقام. وبالرغم من أن نتائج أحزاب المعارضة الحالية في الانتخابات التشريعية لهذا العام، كحزب الاتحاد الاشتراكي والقوات الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية وحزب الحركة الشعبية، عرفت تحسنا طفيفا مقارنة بما تم حصده من مقاعد في الانتخابات التشريعية لسنة 2016، إلا أن بمقاييس المرحلة الجديدة، أمام تراجع شعبية و"صورة" حزب العدالة والتنمية، فإن ما حصدته يبقى بمثابة إخفاق. ولم تستطع الأحزاب الثلاثة المذكورة إزاحة أحزاب مثل الأصالة والمعاصرة والاستقلال من المراتب المتقدمة للانتخابات التشريعية الثالثة على التوالي، ما يعني أن أحزاب المعارضة الحالية فقدت الكثير من رصيدها "الشعبي" وعرفت "صورتها" السياسية اهتزازا تحتاج معه إلى ترميم صفوفها وإصلاح "ذات البين" مع المواطن المغربي. وحسب متتعبين للمشهد السياسي في المغرب، فإن أداء حكومة "أخنوش" في بدايتها، يعرف تعثرات كثيرة، وهو ما جعلها تمنح "هدايا مجانية" لأحزاب المعارضة من أجل بناء "صورتها" لدى المواطن المغربي، خاصة أن التطورات الأخيرة أظهرت إمكانية حدوث ذلك، كالخرجات القوية لبعض الأحزاب السياسية، مثل العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية والاشتراكي الموحد، إضافة إلى التدخلات القوية لحزب الاتحاد الاشتراكي في البرلمان، على قضايا وإجراءات حكومية أثارت الجدل. ويبقى القرار الحكومي، المتعلق بفرض جواز التلقيح على المواطنين للاستفادة من كافة الخدمات الإدارية والولوج للأماكن العمومية، أحد "الهدايا" التي قدمتها الحكومة للمعارضة، وهو ما دفع بأسماء وأحزاب سياسية تنتمي إلى المعارضة بالبروز من جديد وتلقي إشادات من المواطنين المغاربة، بالنظر إلى أن شريحة واسعة من المواطنين ترفض هذا القرار. وكان الحزب الاشتراكي الموحد أحد أولى الأحزاب السياسية المعارضة التي أدانت القرار، كما أن نبيلة منيب النائبة البرلمانية عن ذات الحزب، طغى إسمها على الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، بسبب منعها من دخول البرلمان لكونها ترفض للتلقيح ولا تمتلك جواز اللقاح، وهو ما أظهر "ارتجالية" القرار الحكومي. كما أن حزب العدالة والتنمية عبر رئيس مجموعته النيابية، عبد الله بوانو، أعرب عن رفضه لهذا الإجراء ووصفه ب"الفتنة"، وهو خطاب لقي صدى إيجابي لدى شريحة من المغاربة، بالرغم من تضرر صورة حزب العدالة والتنمية وفقدان "مصداقيته" لدى نسبة كبيرة من المواطنين. ومن القضايا الأخرى التي "اقتصنتها" المعارضة لتوجيه انتقادات لاذعة للحكومة الجديدة، يتعلق الامر بالزيادات الكبيرة في أسعار المواد الاستهلاكية والمحروقات، حيث أعربت جل الأحزاب عن استنكارها لهذه الزيادات، وعلى رأسها حزب التقدم الاشتراكية الذي طالب الحكومة بإيجاد حلول لهذه الزيادات الصاروخية. وتُعتبر الزيادات في الأسعار، من القضايا الشائكة جدا، لأن لها ارتباط مباشر بالمواطنين، وبالتالي فإن الأحزاب المعارضة، يُتوقع أن تواصل ضغوطها وخرجاتها القوية ضد الحكومة، خاصة أن الأخيرة بررت الزيادات، كزيادة أسعار المحروقات وأسعار زيوت المائدة، بارتفاع أسعارها على المستوى الدولي، وهو تبرير لن يوقف امتعاض المواطنين وانتقادات المعارضة. وحظى مشروع قانون المالية لسنة 2022، نصيبه من انتقادات المعارضة، حيث اعتبره حزب التقدم والاشتراكية بأنه "مخيب للانتظارات"، معربا بأنه سيواصل التفصيل في انتقاداته لهذا المشروع، وهو نفس الأمر أعرب عنه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ما يعني أن المعارضة الآن سيكون لها ملفات وقضايا عديدة لتوجيه ضغوطها وانتقاداتها للحكومة، وهو ما قد يكون "فرصة" لترميم "صورتها" أمام عموم الشعب المغربي.