لم تكن الزيارة التي قام بها مؤخرا الجنرال السعيد شنقريحة، قائد أركان القوات المسلحة الجزائرية، إلى موسكو، وتقديمه الشكر لروسيا وحتى للاتحاد السوفياتي على مواكبة الجيش الجزائري، سوى محاولة جديدة لإعطاء تطمينات إضافية لوزارة الدفاع ومصنعي الأسلحة الروس، على الأقل هذا ما يمكن أن يُستخلص من سياق المفاوضات الأخيرة التي جمعت بين الطرفين لإتمام صفقة أسلحة ومعدات عسكرية جديدة، في ظل وجود تخوف من عدم قدرة الطرف الجزائري على الوفاء بالتزاماته، حسب ما كشف عنه تقرير لموقع "أفريكا إنتيلجنس". وكما كان متوقعا، فإن زيارة شنقريحة إلى روسيا لم تنته دون إبرام صفقات تسلح جديدة تعزز مكانة موسكو كمزود رئيس للجيش الجزائري بثلثي مبيعات الأسلحة وفق ما جاء في تقرير مركز السياسة العالمية الأمريكي الصادر سنة 2020، إذ قال تقرير "أفريكا إنتلجنس" إن شنقريحة اتفق مع وزير الدفاع الروسي سيرجي سويغو على اقتناء سرب جديد من طائرات "ميغ 29" المقاتلة بالرغم من أن بلاده كانت قد اقتنت 14 طائرة من النوع نفسه سنة 2019. وإضافة إلى ذلك، أورد الموقع المتخصص في القضايا الاستخباراتية أن قائد الجيش الجزائري أبرم صفقة لاقتناء غواصتين روسيتين جديدتين تنضافان لأسطول مكون من 6 غواصات جميعها اقتنتها الجزائر من روسيا، بالإضافة إلى منظومتي "إس 300" و"إس 400" المضادة للطائرات والصواريخ الباليستية. لكن المثير للانتباه هو أن روسيا لم توافق على إتمام هذه الصفقة إلا بعد الاطمئنان على أموالها، إذ كان المسؤولون الروس قلقين من عدم قدرة الجزائر على الالتزام بالدفع في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد وانهيار العملة، ما دفع موسكو لبعث ديميتري شوغاييف مدير الخدمة الفيدرالية للتعاون العسكري التقني، وأليكساندر ميخيف المدير العام لشركة الصناعات العسكرية "روسوبورون إيكسبورت" للجزائر العاصمة يوم 17 يونيو 2021. ووفق المصدر نفسه، فإن المسؤولَيْن الروسيَين حينما التقيا بشنقريحة أصرا على الحصول على ضمانات بخصوص التزام الجزائر بتسديد أموال تلك الصفقات في موعدها، وهو ما دفع رئيس أركان الجيش الجزائري لإخبارهم بأن هذه الأموال "متوفرة وموجودة في مكان آمن". وتزكي هذه المعطيات الطرح القائل بأن جزءا من الأزمة الخانقة التي تعيشها الجزائر اليوم يكمن في سطوة النظام العسكري على البلاد وتحكم قادة الجيش في جميع شؤون الدولة بما فيها القضايا المالية والاقتصادية، وهو ما يمكن التحقق منه أيضا بالعودة إلى قانون المالية الجزائري الخاص بسنة 2021 والذي تحتكر فيه القوات المسلحة قرابة ربع الميزانية. ووفق هذه الوثيقة تتصدر وزارة الدفاع جميع القطاعات بميزانية قدرها ترليون و230 مليار دينار، أي 9,15 مليار دولار أمريكي، ما يعادل 23 في المائة من مجموع ميزانية التسيير، متفوقة على قطاعات اجتماعية حساسة على غرار قطاع التعليم الذي حصل على 771 مليار دينار أي 5,74 مليار دولار بنسبة 14,5 في المائة من إجمالي الميزانية، بل وحتى القطاع الصحي الذي حصل على 410 مليارات دينار أي 3 مليارات دولار، بنسبة 8 في المائة من الميزانية على الرغم من معاناة البلاد من جائحة كورونا.