كثيرة هي المظاهر في الجزائر التي مازالت من "بقايا" الاستعمار العثماني الذي استنجد به الجزائريون كقوة حامية لهم من "التحرشات الإسبانية" طيلة القرن الخامس، وبداية القرن السادس عشر الميلادي. ومع انهيار حكم "الدولة الزيانية"، والتي كانت تشكل من قبائل زناتة الأمازيغية، التي حكمت المغرب الأوسط "الجزائر حاليا"، وجد الإسبان فرصتهم إلى استعمار الدولة المقسمة والمفككة على نفسها إلى إمارات صغيرة متناحرة، مما دفع القبائل إلى الاستنجاد بالأتراك العثمانيين لإعادة فتحها مجدّدا. وعليه، دخلت الجيوش العثمانية الجزائر سنة 1516 ميلادية، كقوة حاميّة، ولم يَخرجوا منها إلاّ سنة 1830 ميلادية، أي أنهم مكثوا ثلاثة قرون وعشرين سنة، تركوا من خلالها الكثير من "الآثار" التي مازالت شاهدة على تاريخهم في الجزائر، لعل أهمها "قصر المرادية" الذي يعتبر القصر الرئاسي الرسمي للحكم في الجزائر. الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في القاعة الرسمية لقصر المرادية أثناء رئاسته للبلاد التي دامت 20 سنة وبعد أن أخذ العديد من السلاطين و"البايات" العثمانيين من "قصر المرادية" مقرا لحكم الجزائر بقبضة من حديد، مازال هذا القصر بعد كل هذه القرون يعتبر مركز الحكم، بعد أن احتضن 12 رئيسا جزائريا منذ استقلال البلاد سنة 1962 إلى اليوم. ويعتبر "قصر المرادية" مَقر الإقامة للرئيس الجزائري، كما أنه يعد المقر الرسمي والمركزي لأعلى سلطة في البلاد، حيث يستقبل فيه رئيس الجمهورية الوفود الرسمية الزائرة، وتقام فيه كل اللقاءات الرسمية. ويعمل في "قصر المرادية" الذي يقع في بلدية المرادية التابعة لولاية الجزائر، حوالي 4 آلاف شخص، معظمهم من الحرس الجمهوري الجزائري، حيث يطوق بحراسة خاصة، وبآلاف الجنود، ويُعد مركز القرار في الجزائر. القصر الذي قيل إن الرئيس عبد المجيد تبون وجده "فارغا" بدون أرشيف أو وثائق ولا مراجع فقط مبنى أسمنتي تاريخي، وليس مؤسسة رئاسية كما يفترض أن يكون، حسب ما أورده تقرير مُطول لموقع the africa report، هو نفسه القصر الذي يحتوي على المئات من الحجر إضافة إلى شقق (سويت) رئاسية خاصة، وقاعات بالغة الضخامة، تم تأثيث حجراتها بأثاث فاخر على الطراز المغاربي. كما أنه يحتوي على قاعة مَركزية كبرى وضعت بها ثريات ضخمة من الكريستال، ويضم قاعة طعام فاخرة تكفي 300 مقعدا على الأقل وقاعة أخرى للاجتماعات مُعدة بأثاث من خشب البلوط، وكذا، العديد من المطابخ الخاصة.. وكلها مرافق يقوم أمن الرئاسة والحرس الجمهوري بحراستها بشكل دقيق خوفا من أي تسريب غير "سار". ويعتبر قصر المرادية شاهدا على فترات كثير من تاريخ الجزائر، حيث يعتبر القصر الذي احتضن الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة لمدة عشرين سنة قضايا في حكم الجزائر، قبل أن يقدم استقالته من منصبه، تحت ضغط حراك الشارع، في 28 أبريل من سنة 2019. لقاء محمد السادس والرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بقصر المرادية في الجزائر سنة 2005 ويعتبر "قصر المرادية" مقر اتخاذ أهم القرارات في تاريخ الجزائر منذ القرن الخامس عشر إلى اليوم، كما أنه القصر الذي شهد آخر لقاء بين الملك محمد السادس ورئيس جزائري، حينما استقبل عبد العزيز بوتفليقة، على هامش القمة العربية التي عقدت في الجزائر سنة 2005 الملك محمد السادس. الاستقبال الذي خصّه عبد العزيز بوتفليقة للملك محمد السادس ب"قصر المرادية" في العاصمة الجزائر، اعتبره حينها المراقبون بمثابة قمّة مغاربية مصغرة قادرة على كسر الجمود بين البلدين، بعد أصرّ الملك محمد السادس على المشاركة في القمّة كمبادرة حسن نيّة لتجاوز الخلافات المغربية - الجزائرية، كما أنه مدّد مقامه للجزائر أسبوعا إضافيا، وتجول في شوارعها بدون حراسة وبدون تكلف. غير أن هذا اللقاء الذي احتضنه القصر التاريخي للحكم في الجزائر لم يفض إلى شيء، وبقيت بعدها كل القرارات التي تخرج من "قصر المرادية"، أو تتخذ بين جدرانه، كلها عداء للمملكة ودعم لتقسيم أرضه، والإصرار على ضيّاع أزيد من 45 سنة في الخلافات والعداء والتنافر بين البلدين.