الكائن الإعلامي، أضحى موضوعا لجلسات المقاهي، ونجما لصور السخرية المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي، أطلق عليه أحد كبار الباحثين المغاربة " المحلل السياسي الطارئ على الوقت"، وهناك من يصفه بالانتهازي، وهناك من يطلق عليه وصف " العياش"، لكن بالنسبة إليه، التحليل الإعلامي حوله إلى شخصية مؤثرة في المجتمع ومشهورة في جميع الأوساط، ذلك أن جيل الفاسبوك لا يعرفون محمد عابد الجابري، وعبد الله العروي، ومحمد كسوس. إسمه معروف، ويدافع عن مهنة الكائن الإعلامي، ويعتبرها مهنة كباقي الحرف التي تحتاج إلى ذكاء غير عادي وإلى إبداع شبه خارق، فالشاشة محور حياته وأنشطته اليومية، ليس له الوقت لمطالعة الكتب، يتميز بذاكرة قوية وليس في حاجة إلى القراءة والبحث، حيث يكفيه الكتب التي درسها خلال مساره في الجامعة، فهو يقرأ بسرعة فائقة عناوين الصحف والمجلات الإلكترونية. الكائن الاعلامي، درس في الجامعة، حيث عمر لسنوات طويلة، تمكن من خلالها من ربط علاقات وطيدة مع موظفي الحي الجامعي، وبخلاف أصدقائه استطاع أن يبني شبكة معارف داخل الجامعة، كما أنه نسج علاقة مربحة مع منسق الماستر الذي تعرف عليه من خلال صديق مشترك يشتغل كاتبا عموميا ووسيطا عقاريا قرب المحكمة الابتدائية، حيث عمل مع منسق الماستر الذي يزاوج بين وظيفة التدريس ومهنة الوساطة العقارية. لا يكفي أن اسمه مشهور، فهو مواظب على أناقته، ولباسه الرسمي الداكن، يحمل ربطتين للعنق؛ واحدة حمراء اللون يحملها في جيبه؛ والثانية خضراء اللون يضعها في محفظته إلى جانب عدد كبير من بطاقات الزيارة (les cartes de visite)؛ حيث له صنف من بطاقات الزيارة تحمل اسم خبير استراتيجي دولي، وله صنف ثان يحمل اسم متخصص في مجال الدراسات الدولية والوطنية والمحلية، بالإضافة إلى الصنف الثالث الذي تبقى من بعض البطاقات المتهالكة التي تحمل اسم محلل سياسي واقتصادي ومتخصص في قضايا الحركات الاسلامية؛ فهو جاهز لجميع التدخلات الإعلامية. لا تزعجه الصفات التي يشارك بها على شاشة التلفاز، كما بالإضافة إلى تخصصه في عدة مجالات وأقضية متنوعة، فإنه شارك من زاوية علم الاجتماع في بعض البرامج المتعلقة بجمال المرأة وتخسيس البطن، وليس له أدنى مشكل في التعليق على حقبة تدبير عبد الرحمان اليوسفي لفريق الاتحاد البيضاوي الرياضي (TAS) في الإذاعة الوطنية من زاوية السياسات القطاعية الرياضة. بعد أن نحج في الماستر بمساعدة صديقه الأستاذ المنسق، حيث لا يهمه كيف تسجل في سلك الماستر، ولا يعير الاهتمام لنميمة زملائه الطلبة، ويعتبر ذلك ضريبة النجاح، ذلك أن قرابته من أستاذه المنسق، سمحت له بالجلوس في المقهى مع أساتذة الماستر المتعاونين الذين استقدمهم منسق الماستر من الإدارات المتواجدة في القرى المحيطة بالكلية. بالكاد، كان قد أنهى بحث الماستر، وإلتحق بسلك الدكتوراه، غير أنه اضحى مكلفا بتدبير الماستر، نظرا للانشغالات المتعددة لمنسق الماستر الذي أصبح منهمكا في تحضير مشروع الترشح لعمادة الكلية. لهذا، ذكائه أسعفه في أن يقترح على أستاذه المنسق، أن يعتمد على مشروع جاهز سبق وأن تقدم به أحد الأساتذة للترشح للعمادة، بعد أن يغير فقط في عدد الطلبة ويرفع شعار الجامعة "الذكية المنفتحة على محيطها الافريقي". لقد تكلف بإدارة الماستر، وفطن لشعار الانفتاح، بعد أن أقنعه أستاذه بتسجيل بعض المستشارين الجماعيين وصديقه صاحب دكان الكاتب العمومي، كل ذلك في أفق خلق دينامية حيوية في صف الماستر. بسهولة واضحة يستطيع التقاط الإشارات، حيث عارض خروج حركة 20 فبراير من خلال مرافعة مطبوعة بفكرة " الاستثناء المغربي" المحصن من سياق الربيع العربي، كما أن قدرته على فهم الرسائل دفعته للمطالبة بتعديل الفصل 47 من الدستور وتعيين شخصية تكنوقراطية تنسي المغاربة المشاكل البئيسة للتحالفات الحزبية المنبثقة عن صناديق الاقتراع. وطينته دفعته من خلال صفحته على الفاسبوك للانغماس في حمأة الصراع المتعلق بحراك الريف، وبنبرة مرتبكة شكك في استمرارية الفعل الاحتجاجي، وتحدث بأسلوب إنشائي عن أطروحة المؤامرة في حراك الريف، ويعتبر ذلك تشويشا عن المشروع التنموي المنشود. فهمه لجزئيات وتفاصيل الحياة السياسية والمالية والدينية، جعله يهب نفسه للمحطات الإعلامية، حيث سبق وأن ثمن نجاح المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لكن نبوغه دفعه لانتقاد التدبير المحلي لمجالس الجماعات الترابية، كل ذلك شكل سندا له لمطالبة الولاة والعمال بإدارة جائحة وباء كورونا وعدم التعويل على المجالس المنتخبة. يتحدث بتفصيل دقيق في مستقبل العلاقات الدولية، ويحلل بالنظرية الواقعية الجديدة في العلاقات الدولية، ولا يهمه التفكير في العلاقة بين قطر والإمارات، حيث بالنسبة له أزمة الخليج نزوة عابرة، ولا يبذل مجهودا في تغيير مواقفه تجاه دولة من الدول، الأهم في ذلك هو أن صديقنا الكائن الإعلامي يستحق أن يكون بطل سنة 2020. * أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس