نُكِّسَتِ الأعلام في بوينس آيرس كما في نابولي.. أعلن رئيس الأرجنتين كما عالم كرة القدم الحداد على وَفاة أحد الأساطير الحيّة في قلوب عشاق المستديرة، سواء من عاشر دييغو أرماندو مارادونا لاعبا أو من عايشه نجما بعد أن توقف عن مداعبة الكرة في الملاعب. توقف قلب دييغو عن النبض وهو في سن الستين، لكن مشاعر الحب بدأت تتدفق من الملايين عبر العالم بعد علمها بالنبأ الأليم، لأن الراحل لا يمثل فقط أيقونة وطنية بالنسبة للأرجنتين وإنما شخصية معروفة لدى العالم، حيث يظل ملهم جيل بأكمله عشق كرة القدم وهي تتراقص بين يمنى دييغو ويسرى مارادونا، الذي سمح لنفسه أيضا أن يلمسه بيده في لقطته الشهيرة بكأس العالم 1986 بالمكسيك. كيف لا يفعل ذلك وهو أفضل من داعبها على مر العصور! منا من عشق مارادونا من خلف شاشته الصغيرة في الثمانينات وبداية التسعينات، ومنا من أحبه وهو يتابع أشرطة "اليوتوب".. هكذا كان الإجماع على "غيفارا" كرة القدم الذي تمرد على الجميع، إلا على شغفه وعشقه بكرة القدم الذي رافقه إلى غاية آخر أيامه، وهو يشرف على تدريب أحد الفرق المغورة في الأرجنتين، ويكاد يخطو على عشب أخضر، كان يمر منه برشاقة وهو يحمل قميص بوكا جونيورز، برشلونة ونابولي.. رأى "El Pibe de Oro" النور في الثلاثين من أكتوبر سنة 1960، فلم تنطفئ عنه النجومية منذ ذلك الحين إلى غاية أن خطفه الموت على اثر سكتة قلبية مفاجئة، لتبقى صوره وهو يقود "البوكا" للقب الدوري سنة 1981، ثم صولاته وجولاته في ملاعب إسبانيا بقميص "البارصا" والمنتخب الأرجنتيني، الأخير الذي عرف مارادونا مبدعا بالكرة ومشاغبا منذ شبابه، كما كان الحال في لقطة ركله للمدافع البرازيلي باتيستا، قبل الخروج ببطاقة حمراء والإقصاء من "مونديال1982". كان دييغو متمردا بطابع فريد يميزه عن باقي لاعبي كرة القدم، فكان من الطبيعي أن تتمرد ساك مدينة نابولي على ظروف جائحة "كورونا" وتخرج بالآلاف لتشعل الشماريخ أمام جداريات صور مارادونا في بعض حواري المدينة الإيطالية كما بين أشوار ملعب "سان باولو" الذي لم يكن ليعرفه العالم لو لم تطأ أقدام الأجنتيني مستطيله الأخضر، منذ لحظة توقيعه في كشوفات الفريق في صيف سنة 1984، حيث كان 70 ألف متفرجا حاضرا لمراسيم تقديمه. في نابولي، طيف مارادونا لازال حاضرا بذكرياته الجميلة كما السيئة، إذ اقترن اسمه بشبكة مخدرات ودخل دائرة "المافيا" الإيطالية وتجار الكوكايين، لكنه لما رحل إلى مكسيكو، أبى إلا أن يبصم تاريخ كأس العالم ويصنع مجد بلاده بإحراز لقب سيظل عالقا في أذهان كل الأجيال المتعاقبة من بني جلدته، حتى وإن لطخت مسيرة اللاعب بعد تبوث تعاطيه للمخدرات، سنوات بعد ذلك في "مونديال1994" بالولايات المتحدةالأمريكية.. بداية السقوط الحر وأفول نجم تلألأ في الملاعب، ترتب عنه مضاعفات صحية للأرجتيني، الذي علق الحذاء سنة 1997، بعدما أضحى الجسد عاجزا عن مطاوعة الأقدام، ليتحول مارادونا من الفتى الذهبي للملاعب إلى شخصية ال Show رغم بعض التجارب المتفرقة مدربا. حتى المغاربة نعوا مارادونا رغم أوجه الاختلاف المتعددة، كيف لا والراحل دييغو جزء من اللعبة الأمثر شعبية في العالم وأحد ملهمي جيل كامل، يتذكر "مكسيكو1986" كأفضل حدث كروي في سجلات الكرة المغربية كما يملك صورة ذلك الشاب القصير الذي ينطلق من 60 مترا وهو يراوغ دفاعات المنتخب الإنجليزي ثم حارس المرمى، مسجلا على أحد أجمل الأهداف عبر التاريخ. الراحل دييغو أرماندو مارادونا في مباراة استعراضية بمدينة العيون المغربية لم يكن دييغو مغربيا إلا أن صورته وهو يحمل القميص الوطني، ستظل راسخة في أدهان الجميع، بعد أن حضر إلى مدينة العيون لمشاركة الشعب المغربي احتفالات ذكرى المسيرة الخضراء، معبرا عن حبه وتقديره للمغرب ملكا وشعبا ومؤمنا بأن الصحراء جزء لا يتجزأ من خارطة المملكة، وفيا كما كان طيلة مشواره لمواقفه السياسية الجريئة دون تقاضي أي مقابل مادي، حسب ما تناسل من حضوره لمباراة "الأبطال" إلى جانب ثلة من اللاعبين الآخرين، ذات سهرة جميلة في ملعب "الشيخ الأغضف". من الرباط إلى بوينس آيرس .. وداعا دييغو!