خطاب جديد ممهد لتقارب غير مسبوق بين حزبي "الأصالة والمعاصرة" و"العدالة والتنمية" ذاك الذي فاجأ به عبد اللطيف وهبي، الأمين العام ل"البام" مُحاوره خلال استضافته من طرف قناة "الغد" الممولة إماراتيا أول أمس، فالرجل الذي كان يصنف كخصم عنيد ل"البيجيدي" خلال السنوات الماضية أعلن أنه "يفتخر" بالعلاقات الجديدة التي تُنسج بين هذا الأخير وبين حزبه. وبدا وهبي مصمما على معاكسة الطريق التي كان يسير فيها الأمين العام الأسبق إلياس العماري، حين أورد أن "مواجهة التيار الإسلامي" العبارة التي ظل يرددها بإلحاح هذا الأخير، كانت "مجرد شعار وليس جزءا من هوية الحزب، ومحاولة ضم الشعار إلى هوية الحزب مخالف لمفهوم الأصالة والمعاصرة ودوره في العملية السياسية"، على حد تعبيره. وقال وهبي إنه يعتبر أن دور الحزب هو "تقديم مشروع مجتمعي للمساهمة في العملية السياسية والاجتماعية لا مواجهة أي كان"، مشددا على أنه لا يعادي الحركات الإسلامية بالمغرب التي قال إنها "تعترف بالملكية وبالخيار الديموقراطي وهذا يجعلها متقاربة مع الأحزاب كلها"، لذلك فإن الاختلاف في منظوره "يكون حول الحكومة والبرامج وليس حول النظام". وبشكل فاجأ المذيع الذي استضافه، قال وهبي إن "الخطوط الحمراء التي ادعى البعض وجودها ولم تكن يوما ضمن أدبيات الحزب"، لذلك أجاب عن سؤال بخصوص إمكانية التطبيع مع حزب العدالة والتنمية أن أعضاءه "ليسوا إسرائيليين حتى أحتاج للتطبيع معهم، بل هم مواطنون مغاربة يلتزمون بجميع الثوابت"، معلنا أن حزبه قد فتح حوارا مع حزبهم. وانتقد وهبي بشدة طبيعة المواجهة التي كانت سائدة سابقا بين الحزبين موردا "من سبقوني تبادلوا معهم ألفاظا لا تليق بالعملية السياسية وخلقت نوعا من التوتر في الشارع السياسي، الآن يجب فتح حوار حول ما فيه مصلحة المغرب ومصلحة المواطن"، معتبرا أن "الحرب الكلامية" بين الحزبين "أضاعت الكثير من الوقت ومن الجهد". وبدا الأمين العام الجديد ل"البام" مصرا على أن الحزبين معا يتحملان مسؤولية ما آلت إليه الأمور سابقا من صدام، موردا "الذين كانوا يقولون عنا أننا حزب مقرب من الملك كان أعضاء حزبنا يسمعونهم كلاما أقسى من ذلك، فقد كانوا يقولون عنهم إنهم يريدون تأسيس دولة الخلافة وإن لهم ارتباطا بالإخوان المسلمين في الخارج وإنهم يسيئون للملكية". وبدا وهبي متفائلا بتحسن العلاقة بين الحزب الذي يقود الأغلبية ونظيره الذي يتصدر المعارضة، موردا "حينما حييت العدالة والتنمية مؤخرا ردوا علي بأحسن منها"، بل ذهب أبعد من ذلك حين قال إنه "يفتخر بهذه العلاقة لأنها ستطور العمل السياسي في المغرب وستفتح نقاشا حقيقيا حول مشاكلنا المجتمعية والسياسية". ومن الأمور اللافتة في خرجة وهبي الإعلامية، إصراره على إبعاد الأحزاب المغربية عن دائرة الصراع الخارجي بين الدول الخليجية، لذلك رد على حديث محاوره حول تلقي "البيجيدي" دعما من قطر بأنه لا يتوفر على ما يثبت ذلك كما لا يتوفر على ما يثبت أن الإمارات تدعم البام، خالصا إلى أن كل ذلك "كلام في إطار المزايدات التي لا قيمة لها، قطروالإمارات دولتان نحترمهما، وما نريده هو أن نحافظ على استقلاليتنا الدستورية في إدارة شؤوننا، ولن نقبل بأي دولة كيفما كانت أن تتدخل في شؤوننا الداخلية وفي أحزابنا الوطنية". غير أن الحديث عن إمكانية الوصول إلى مرحلة التحالف بين الحزبين المتنافرين منذ 2008، يبدو سابقا لأوانه حسب ما يُلمس من تصريحات وهبي، الذي عبر عن ذلك قائلا "ليس من الضروري أن نتحالف لكن الأهم أن ندير خلافنا باحترام متبادل، في النهاية نريد أن نخدم شعبا لا أن ندخل معارك الديكة"، حتى إنه أعلن ضمنيا مواجهته "البيجيدي" خلال انتخابات 2021 حين أورد "الآن حزبنا يمثل مشروعا مجتمعيا سندافع عليه كبرنامج اقتصادي وسياسي في مواجهة نتائج العدالة والتنمية وهم في السلطة وعدم قدرتهم على إدارة الشأن العام". أما الأهم بالنسبة لوهبي حاليا، فيبقى هو تصحيح أخطاء الماضي التي تسببت في إفقاد المواطنين الثقة في العملية السياسية، مبرزا أن "الصراع بين الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، واللغة المتبادلة بين الحزبين كانت سببا في تراجع المشاركة في الانتخابات، حيث أثرت سلبيا على الشارع وخلقت نوعا من التوتر السياسي، وحينها شعر المغاربة أن هذا النقاش لن يُفيدهم في شيء".