يتصاعد منذ أشهر حراك مغاربي غير مسبوق، بحثا عن حل سياسي للأزمة الليبية، في ظل تحشيد طرفي النزاع لقواتهما على خط "سرت- الجفرة"، وتهديد مصر بتسليح أبناء القبائل الليبية والتدخل عسكريا في جارتها الغربية. إضافة إلى جهود تبذلها كل من الجزائروتونس، الجارتين الغربيتين لليبيا، لحل أزمة الأخيرة، التحق المغرب بالمساعي الدولية، فيما تبدي موريتانيا قلقها من تأثير التدهور الأمني في ليبيا سلبا على استقرار دول الساحل الإفريقي، وهي: موريتانيا، بوركينا فاسو، مالي، تشادوالنيجر. وتعاني ليبيا، منذ سنوات، من نزاع مسلح، فبدعم من دول عربية وغربية، تنازع مليشيا الجنرال الانقلابي المتقاعد، خليفة حفتر، الحكومة الليبية، المعترف بها دوليا، على الشرعية والسلطة في البلد الغني بالنفط. وتتكثف التحركات في الملف الليبي، منذ أن حقق الجيش الليبي، في الفترة الأخيرة، سلسلة انتصارات مكنته من تطهير المنطقة الغربية، بما فيها العاصمة طرابلس، من مليشيا حفتر. - المغرب: تعديل اتفاق الصخيرات بعد استبعاده من حضور مؤتمر برلين، رغم دوره في احتضان اتفاق الصخيرات الذي رعته الأممالمتحدة عام 2015، عاد المغرب للعب دور سياسي في الساحة الليبية. واستقبل المغرب، الأسبوع الماضي، كلا من خالد المشري وعقيلة صالح، بشكل متزامن، لكن من دون عقد لقاء مباشر بين الطرفين. وتقوم المقاربة المغربية على رفض تعدد المبادرات، والتأكيد على الالتزام باتفاق الصخيرات، الموقع في 17 ديسمبر 2015، مع إمكانية تعديله. وبجانب مصر والجزائروتونس، شملت جولة وزير الخارجية السعودي المغرب، ما يعني أن الرباط قررت حجز مكان لها بين الدول الفاعلة في الملف الليبي. - الجزائر: لا بديل عن حل سياسي منذ وصول الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، إلى سدة الحكم، نهاية 2019، تكثف الجزائر تحركاتها الدبلوماسية لحل الأزمة الليبية، من خلال مشاركتها بمؤتمر برلين في 19 يناير الماضي، ثم تنظيمها، بعد أربعة أيام، اجتماعا لدول جوار ليبيا الستة (الجزائر، تونس، مصر، السودان، تشادوالنيجر)، إضافة إلى مالي، وهي لا تمتلك حدودا مع ليبيا. واستقبل تبون، عدة مرات، طرفي النزاع في ليبيا، ممثلين في رئيس المجلس الرئاسي، فائز السراج، ورئيس مجلس النواب المنعقد بمدينة طبرق (شرق) عقيلة صالح (الداعم لميلشيا حفتر)، بجانب رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، ومسؤولين ليبيين آخرين. كما تواصلت الجزائر مع الأطراف الدولية الفاعلة في الملف الليبي، على غرار زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى الجزائر، والتواصل الدوري بين وزيري خارجية البلدين. هذا، والتقى وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم، نظيره الروسي، سرغي لافروف، في موسكو، واتفقا على استحداث آلية تنسيق لحل الأزمة الليبية. وتنسق الجزائر مواقفها مع كل من تونس ومصر، ضمن آلية ثلاثية للتشاور. لكن انفراد القاهرة بخطة للتدخل العسكري وتسليح القبائل الليبية أثار حفيظة الجزائر، فحذر رئيسها من خطورة هذا الأمر، وشدد على ضرورة إيجاد حل سياسي. وعقب هذا التصريح تم تأجيل زيارة للجزائر كان مقررا أن يجريها عقيلة صالح. واستقبلت الجزائر، الأسبوع الماضي، وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، قادما من مصر. وتلقى بوقادوم اتصالا هاتفيا من نظيره الليبي، محمد سيالة. وتقوم المقاربة الجزائرية، بحسب بوقادوم، على ثلاثة مبادىء هي: "الحل السلمي مع رفض الحل العسكري، ووقف إطلاق النار والشروع في المفاوضات، مع رفض كل التدخلات الخارجية". وأعربت الجزائر، أكثر من مرة، عن استعدادها لاستضافة حوار بين طرفي النزاع الليبي، خصوصا وأنها تحظى باحترام الطرفين. - تونس: الحل في مؤتمر للقبائل رؤية تونس لحل الأزمة الليبية تكاد تتطابق مع الجزائر، وهي تقوم على الاعتراف بشرعية الحكومة الليبية في طرابلس، والتأكيد على حل سياسي ليبي- ليبي ورفض الخيار العسكري، مع البقاء على مسافة واحدة من طرفي النزاع. وعلى غرار الجزائر، استقبل الرئيس التونسي، قيس سعيد، مؤخرا، وزير الخارجية السعودي، وتم التأكيد على ضرورة الحل السياسي في ليبيا. كما تلقت وزيرة الخارجية التونسية بالإنابة، سلمى النيفر، اتصالا هاتفيا من سيالة، أكدت له خلاله دعم بلادها للحكومة الليبية الشرعية. ولدى استقباله أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، نهاية فبراير الماضي، لخص سعيد مقاربة تونس للحل في ليبيا، وهي ضرورة "جمع القبائل الليبية مجددا، لأن لديهم مشروعية، ما يمهد لشرعية انتخابية، دون أي تدخل خارجي، لتعود السيادة للشعب الليبي لكي يختار حكامه". لكن فكرة جمع القبائل في مؤتمر، على غرار "اللويا جيرغا" في أفغانستان، لا تلقى ترحيبا من الحكومة الليبية الشرعية ولا حتى من الفاعلين السياسيين والمثقفين في شرقي البلاد (حيث تهيمن مليشيا حفتر)، على اعتبار أن القبائل تلعب دورا اجتماعيا وليس سياسيا. - موريتانيا: حل عبر مجموعة الساحل بالنظر إلى بُعد المسافة بين موريتانيا وليبيا، وعدم وجود حدود ولا قبائل مشتركة بينهما، ناهيك عن ضعف التبادلات التجارية البينية، وكثرة المتدخلين الدوليين في هذا الملف إلى حد الاختلاف، فإن نواكشوط لا تبدي حماسة كبيرة للانغماس في الملف الليبي. لكن ثمة ما يقلق نواكشوط في هذا الملف، وهو البعد الأمني، الذي يؤثر على أمنها القومي هي الأخرى. فبعد انهيار نظام معمر القذافي في ليبيا، عام 2011، انتشر السلاح بكثافة في منطقة الساحل الإفريقي، وأدى إلى تدهور الوضع الأمني في المنطقة، خاصة في ماليوالنيجروبوركينافاسووتشاد، وبدرجة أقل موريتانيا. وتشكل هذه الدول مجموعة الساحل الخمس، التي تقودها فرنسا في مواجهة تنظيمات مسلحة. والقلق من البعد الأمني هو ما دفع الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، إلى الدعوة، خلال افتتاحه قمة بين دول الساحل وفرنسا، في 30 يونيو الماضي، إلى يكون حل الأزمة الليبية من أولويات ائتلاف دعم الساحل، لأنها هي "سبب تدهور الأمن في المنطقة، حيث تغذي الجماعات المسلحة بالأسلحة والقنابل والبشر والمخدرات"، على حد قوله. وتستند المقاربة الموريتانية لحل الأزمة الليبية إلى البعد الأمني وتأثيرها السلبي على الاستقرار في المنطقة، خاصة وأن دولتين من مجموعة الساحل، وهما النيجروتشاد، ترتبطان بحدود طويلة مع ليبيا. لكن فرنسا (المتهمة بدعم مليشيا حفتر) هي قائدة هذا التحالف سياسيا وعسكريا واقتصاديا، لذلك من الصعب أن تغرد نواكشوط خارج هذا السرب، فرغم أنها تعترف بالحكومة الليبية الشرعية، إلا أن تأثيرها على الوضع في ليبيا مازال متواضعا مقارنة ببقية الدول المغاربية. بالإجمال، فإن دول المغرب العربي تشترك جميعا في ضرورة التوصل إلى حل سياسي، ورفض الحل العسكري في ليبيا، والاعتراف بشرعية الحكومة في طرابلس. لكن رؤى هذه الدول للحل تختلف، فإن كانت الجزائروتونس تنسقان موقفهما ضمن دول جوار ليبيا، فإن المغرب متمسك بالحوار في إطار تعديل اتفاق الصخيرات، بينما تتحدث موريتانيا من منبر دول الساحل. ولحد الآن لم يتبلور أي تنسيق بين تلك الدول في إطار اتحاد المغرب العربي، الذي تأسس عام 1989، ويضم كلا من المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا وموريتانيا.