إذا كانت تقنية ال4G، أو الجيل الرابع من الإنترنت، جعلت من الهواتف المحمولة وسيلة لإدارة شئون الحياة اليومية بمختلف تعقيداتها، وليس فقط أداة لإجراء المكالمات الهاتفية وإرسال الرسائل النصية القصيرة SMS؛ فإن الجيل الخامس للإنترنت أو 5G سيجعل من نظم الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والروبوتات والسيارات ذاتية القيادة، من أهم الأدوات التي يستخدمها البشر في حياتهم اليومية في المستقبل القريب، تمامًا مثلما الهواتف الذكية في الوقت الحالي، فنتحول من مجتمع "إنترنت الأشياء Internet of Everything" إلى مجتمع "إنترنت الحياة Internet of Life". ما هو ال5G؟ مرت عملية تطوير خدمة النطاق العريض من الإنترنت اللاسلكي للهواتف والحواسيب اللوحية المحمولة بعدة مراحل زمنية، بحيث يمكن القول إن هناك جيلًا جديدًا من خدمات الاتصالات كل 10 سنوات؛ حيث كان الجيل الأول 1G منها في بداية الثمانينيات، والذي كان يستطيع فقط إجراء مكالمات هاتفية. وجاء الجيل الثاني 2G في أوائل التسعينيات والذي مكّن من إرسال الرسائل النصية القصيرة بالإضافة إلى المكالمات الهاتفية. ثم الجيل الثالث 3G في أوائل هذه الألفية، والذي يعتبر بداية الثورة الحقيقية التي شهدتها الهواتف الذكية، حيث مكّن من إرسال واستقبال كافة أنواع الخدمات المرئية والمسموعة والوسائط المتعددة كالصور والفيديوهات بدرجة جودة جيدة، ثم جاء الجيل الرابع 4G عام 2010 ليكون أسرع بثماني مرات من خدمات الجيل الثالث، فساهم في تقديم خدمات الإنترنت بجودة وسرعة عالية، فضلًا عن إجراء مكالمات الفيديو، ومشاهدة التلفاز عبر المحمول، وتقديم خدمات الحوسبة السحابية، ومهد الطريق لتجربة تقنيات متقدمة مثل تقنيات إنترنت الأشياء المتعددة. وبدايةً من عام 2020، سيكون العالم قد بدأ بالفعل استخدام الجيل الخامس للإنترنت 5G في حياته اليومية، وهو يختلف تمامًا عن الأجيال السابقة له، فهو ليس الجيل الرابع +1، بل هو تقنية مختلفة تمامًا. وللتوضيح يمكن ضرب مثال بإمكانية تحميل فيلم بجودة عالية جدًّا Blue ray أو 4K، فبينما يتطلب الأمر أيامًا وأسابيع عبر الجيل الثالث للإنترنت، أو ساعات عبر الجيل الرابع، فإن الأمر لا يتعدى ثانية أو ثانيتين في الجيل الخامس. ورغم أن الشركات لم تحسم المسألة بعد، حيث تقدم تقديرات مختلفة لسرعة الجيل الخامس بداية من 10 جيجا بايت في الثانية الواحدة وحتى 20 جيجا بايت[1]، وتأخذ صفحة الإنترنت عادة في التحميل ما يعادل جزءًا واحدًا من الثانية؛ إلا أن كافة التقديرات تشير إلى أننا على أعتاب سرعة غير مسبوقة، سرعة لم ندرك بعد تداعياتها وآثارها على حياتنا اليومية. ويستخدم المعيار الجديد للجيل الخامس نطاقًا جديدًا من الطيف الراديوي، ويستفيد من الموجات المليمترية التي تبث بترددات بين 30 و300 جيجا هرتز، مقابل النطاقات التي تقل عن 6 جيجا هرتز والتي كانت تستخدم في الماضي، وهذه النطاقات لم تكن تستخدم في السابق إلا في الاتصالات بين الأقمار الصناعية وأنظمة الرادار. سباق عالمي: بدأت العديد من الدول بالفعل مرحلة التحول نحو الجيل الخامس للإنترنت، منها ما بدأ بالفعل في تقديم الخدمات التجريبية، على أن يبدأ بتدشين الخدمات التجارية خلال هذا العام، مثل: كوريا الجنوبية، والصين، والولاياتالمتحدةالأمريكية، والمملكة المتحدة، وإيطاليا، وسويسرا، وإسبانيا، وفنلندا، وفرنسا، وأستراليا. ودول أخرى سوف تطلقه بحلول عام 2020 مثل: ألمانيا، وكندا، واليابان- ليشهد العالم ثورة حقيقية في مختلف دول العالم نحو تبني تقنيات الجيل الخامس للإنترنت. وتتوقع شركة "أريكسون" أن يكون عدد مستخدمي الجيل الخامس للإنترنت بحلول عام 2024 حوالي مليار ونصف المستخدم[2]، ويتوقع أن يبلغ حجم سوق تقنية الجيل الخامس 251 مليار دولار عالميًّا بحلول عام 2025. فقد كانت كوريا الجنوبية أول دولة تطلق هذه الخدمة في أول ديسمبر 2018. وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية تُقدم كلٌّ من شركة "فيرزون" وشركة "AT&T"، كبرى شركات الاتصالات الأمريكية، خدمات الجيل الخامس لبعض المستخدمين في أماكن محددة مع وجود خطط لتوسعة قاعدة المستفيدين منها عام 2019. وحددت شركة Telus Mobility الكندية عام 2020 ليكون عام وصول الجيل الخامس من الإنترنت لمستخدميها، حيث يتوقع أن يكون عدد مستخدمي الجيل الخامس في أمريكا الشمالية بحلول عام 2023 حوالي 32% من المستخدمين الحاليين[3]. وفي سبتمبر من هذا العام سوف تطلق شركة NTT DOCOMO اليابانية أول خدماتها غير التجارية للجيل الخامس، على أن يكون الإطلاق الرسمي لها عام 2020، ويسعى أكبر مزود لخدمات الإنترنت في المملكة المتحدة (شركة EE) إلى تقديم خدمات الجيل الخامس خلال هذا العام. أما الصين فقد بدأت بالفعل في بناء محطات الإرسال الخاصة بتقنيات الجيل الخامس في أكثر من 16 مدينة صينية، مع وجود خطة لتدشين أول منتجات تستخدم الجيل الخامس بمجرد الاتفاق على المعايير النهائية لهذه التقنية حسبما صرح وزير الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصيني. وفي المنطقة العربية تُعتبر شركة اتصالات أول مزود خدمة في المنطقة يعلن تدشين خدمات الجيل الخامس للإنترنت في دولة الإمارات العربية المتحدة. استخدامات متعددة: يُعتبر الجيل الخامس للإنترنت هو الروح التي تغذي كافة التقنيات فائقة التطور، مثل: نظم الذكاء الاصطناعي، والروبوت، والسيارات ذاتية القيادة، والدرونز، وتقنيات إنترنت الأشياء، وغيرها؛ حيث تحتاج هذه النظم نقل كمية كبيرة جدًّا من البيانات في وقت واحد لتحليلها واتخاذ القرار السليم، فقد تكون ثانية واحدة كفيلة بأن تتفادى سيارة ذاتية القيادة وقوع حادث على سبيل المثال، وذلك من خلال كمية المعلومات العملاقة التي تحصل عليها في أقل من ثانية عبر مستشعراتها المختلفة وعبر أجهزة الاستشعارات الموجودة في الطرقات العامة. كما يمكن أيضًا لآلاف القطع الذكية الموجودة في المصانع أو المباني والطرقات أن تتواصل مع بعضها بعضًا بصورة أسرع وأدق، وأن تنتهي كافة الأعمال بكفاءة ودقة عالية. كما يمكن توظيفها أيضًا في تحريك آلاف الروبوتات أو الدرونز ذاتية القيادة عبر تشكيلات متناغمة وبدقة متناهية، حيث يتم استخدامها لأغراض الترفيه أو المراقبة أو لأغراض عسكرية. ويمكن أيضًا عبر الجيل الخامس من الإنترنت إجراء العمليات الجراحية عن بعد وبدقة عالية جدًّا، وتحسين استخدامات الواقع الافتراضي Virtual Reality، سواء لأغراض الترفيه أو التعلم أو المحاكاة، ويمكن الحصول على خدمات GPS بصورة ثلاثية الأبعاد وليس ثنائية الأبعاد كما هو الحال، حيث تندمج خطوط الطول ودوائر العرض مع الموقع الجغرافي للمستخدم لتقدم له بثًّا حيًّا ومباشرًا لكيفية الوصول لوجهته. وتساهم في قراءة الأفكار الشخصية عبر التخاطر الذهني للأفراد من خلال انتقال الموجهات الكهرومغناطيسية من مخ الإنسان مباشرة إلى غيره، ودون الحاجة إلى الكلام أو التعبير عنها بأي شكل من الأشكال. تحديات قائمة: يتطلب انتشار تقنيات الجيل الخامس استخدام بنية تحتية جديدة تستوعب حركة المرور الرقمي التي تنتج تواصل مليارات الأجهزة المتصلة ببعضها بعضًا عبر شبكة الإنترنت، والتي تحتاج بشدة خدمة النطاق الترددي، سواء كانت هواتف ذكية، أو تقنيات إنترنت الأشياء المتعددة، أو السيارات ذاتية القيادة، أو كاميرات المراقبة الأمنية، أو الأجهزة الصحية والشخصية القابلة للارتداء، أو تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي. وسيتطلب ذلك المزيد من الهوائيات على الأبراج الخلوية وأسطح البنايات، كما يتطلب على المستهلكين أيضًا شراء أجهزة جديدة لاستخدام تقنية الجيل الخامس، لأن الهواتف الذكية الحالية لن تكون قادرة على الانتقال إلى الشبكة الجديدة فائقة السرعة. هذه السرعة في نقل الاتصالات والمعلومات التي اقتربت من سرعة الضوء ستؤدي في النهاية إلى انعدام الفارق بين الزمان والمكان، حيث يمكن إدارة أي شيء وكل شيء من أي مكان وفي أي وقت، ومعرفة الأفكار التي تدور بذهن الأفراد دون الحاجة إلى التعبير عنها، ودقة التنبؤ بما سيحدث في المستقبل، ويصبح الهاتف اللوحي بمثابة ريموت كنترول يُدير كافة شئون الحياة اليومية للأفراد من العمل للسيارة للمنزل للمصنع لغيرها فقط عبر إيماءة عين أو إشارة أصبع. فهل نحن مستعدون لذلك؟ *مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة