قد يكون الشهر الجاري، شهر حافل بالدراما من حيث تحديد مصير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ في شتاء عاصف يمضي بين المحاكمة والصراع داخل حزبه، قد يطيح بمستقبله السياسي. لم يمض شهر على توجيه لائحة اتهام رسمية ضد نتنياهو في 3 قضايا تشمل الرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال، حتى تقرر حل الكنيست (البرلمان) والذهاب لانتخابات عامة للمرة الثالثة في غضون 12 شهرا. نتنياهو الذي تربع على عرش رئاسة الوزراء منذ العام 2009، يواجه إضافةً إلى التحديات القضائية، أخرى داخلية في "الليكود" مع بروز منافس له على زعامة الحزب هو جدعون ساعر. كما يواجه أيضا أزمة في كتلة اليمين، بعد فشله مرتين في تشكيل حكومة جديدة، ما قد يؤدي إلى انهيار تحالفاتها الداخلية التي ضغط نتنياهو سابقا من أجل تشكيلها. ويواجه أيضا ندّا صعبا هو بيني غانتس، زعيم حزب "أزرق - أبيض" المعارض، الذي تظهر استطلاعات رأي تعزيزه الفجوة في عدد مقاعد حزبه في الكنيست على حساب كتلة اليمين المنافسة بقيادة نتنياهو. نتنياهو والمحاكمة في 21 نوفمبر الماضي، وجّه المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية افيخاي مندلبليت، لائحة اتهام رسمية لنتنياهو في ثلاث قضايا فساد، ليكون أول رئيس وزراء توجه له لائحة اتهام وهو في منصبه. ويواجه نتنياهو 3 تهم، أخطرها الرشوة، إضافة إلى تهمتي خيانة الأمانة والاحتيال. ويبدو أن سعي نتنياهو للحصول على الحصانة من المحاكمة عبر طلبها من الكنيست، سيواجه صعوبة كبيرة، فزعيم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني أفيغدور ليبرمان، سبق أن قال إن على نتنياهو أن يبرئ نفسه عبر المحاكمة، وليس عبر اللجوء إلى الحصانة البرلمانية. كما تعارض أحزاب الوسط - يسار والقائمة المشتركة، حصول نتنياهو على الحصانة أيضًا، وبذلك فان الأخير لا يمتلك الغالبية المطلوبة لحصوله على الحصانة في حالة تقديمه طلبا بشأنها. والأسبوع الماضي، اقترح ليبرمان منح نتنياهو عفوا رئاسيا مقابل خروجه من الحياة السياسية. وتم تعديل قانون الحصانة في إسرائيل عام 2005، عبر رفعها عن كافة أعضاء الكنيست، وبات العضو الذي كان محصنا من المحاكمة بشكل تلقائي قبل التعديل، مطالبا بعد التعديل بنيل دعم غالبية أعضاء الكنيست للحصول الحصانة. كما لا يحمي القانون الإسرائيلي رئيس الوزراء من المحاكمة، وحاول أعضاء في حزب الليكود العام الماضي سن قانون يمنع محاكمة رئيس الوزراء طوال فترة توليه منصبه، لكنهم فشلوا في ذلك. ويواجه نتنياهو إمكانية منعه من الحصول على التكليف بتشكيل الحكومة في حال فوزه في الانتخابات في ظل التهم الموجهة له. ومن المقرر أن يعلن المستشار القضائي مندلبليت قراره بهذا الشأن بحلول 18 ديسمبر، حسب مهلة قررتها المحكمة العليا، إثر التماسات قدمتها منظمات معنية ب"طهارة الحكم في إسرائيل"، طالبت فيها المحكمة بإلزام مندلبليت بإعلان موقفه. ساعر.. ند نتنياهو في الليكود سياسيًا، يواجه نتنياهو تحدّ داخل عقر داره، أي في حزب الليكود، مع بروز نجم جدعون ساعر، منافس له على زعامة الحزب. وساعر الحاصل على الموقع الرابع في قائمة مرشحي الليكود للانتخابات السابقة، قال السبت في حديث للقناة 13 العبرية، إن ستة استطلاعات رأي أظهرت أن فوزه بزعامة الحزب ستساهم في رفع عدد مقاعده في الكنيست، عبر جذب أصوات ناخبين من منافسه "أزرق-أبيض". كما رفع ساعر من حدة المعركة على زعامة الليكود، عبر تحدي نتنياهو بالمشاركة في مناظرة تلفزيونية بينهما. وقرر مركز حزب الليكود (الهيئة القيادية للحزب)، مؤخرا، إجراء الانتخابات التمهيدية لاختيار زعيم للحزب بتاريخ 26 ديسمبر الجاري. كما أن بعض قادة الليكود المؤثرين مثل وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان (الموقع الثاني في انتخابات الليكود السابقة) لا يزالون مترددين في دعم نتنياهو مقابل ساعر. القناة 12 العبرية، ذكرت الجمعة، أن أردان وبعد لقائه نتنياهو وساعر، قد يمتنع عن إعلان دعمه لأي منهما، مضيفة أن مقربي أردان طالبوه إما بدعم ساعر، أو عدم اتخاذ موقف منحاز لأي منهما، لكنهم لم يطرحوا فكرة دعم نتنياهو عليه. أما رئيس الكنيست يولي إدلشتاين (الأول في قائمة مرشحي حزب الليكود)، فيميل هو أيضا إلى اتخاذ موقف محايد تجاه تنافس نتنياهو وساعر على زعامة الحزب. كتلة اليمين ومؤشرات التصدع وفي كتلة الأحزاب اليمينية التي يقودها نتنياهو، تبرز تصدعات في تحالفات داخلية بين أحزابها، فقد أعلن زعيم حزب "اليمين الجديد" وزير الدفاع الحالي نفتالي بينيت، أن حزبه سيخوض الانتخابات العامة منفردا، بعد خروجه من كتلة "يمينا" التي تضم أحزاب اليمين القومي الديني الاستيطاني (وهي إضافة إلى "اليمين الجديد"، "البيت اليهودي" و"الاتحاد القومي)". ويخشى نتنياهو أن يؤدي تفكك تحالف "يمينا" إلى ضياع أصوات ناخبين يمينيين قد يمنحونها لأحزاب صغيرة لن تتمكن من اجتياز نسبة الحسم المطلوبة لدخول الكنيست، ما يعني إلغاء هذه الأصوات، خصوصا وأن نتنياهو يعتبر شخصيا عرّاب توافق الأحزاب اليمينية في كتلة "يمينا" لضمان حصول اليمين على أكبر عدد من أصوات الناخبين. ونسبة الحسم التي يتوجب على أي حزب الحصول عليها لضمان دخوله الكنيست هي 3.25 في المئة من الأصوات، ما يساوي أربعة مقاعد في الكنيست، وينص قانون الانتخابات على أنه في حالة عدم تمكن حزب من تجاوز نسبة الحسم، يتم إلغاء الأصوات التي حصل عليها أيضا. وأظهرت استطلاعات لوسائل الإعلام العبرية، أن حزب "اليمين الجديد" لن يتمكن من تجاوز نسبة الحسم. وفي السياق ذاته، تجري أيضا محاولات لضم حزب "قوة يهودية" الاستيطاني شديد التطرف إلى تحالف "يمينا". ورفض الحزب الذي يقوده المستوطن ايتمار بن جفير، الانضمام ل"يمينا" قبيل انتخابات سبتمبر الماضي، وقرر خوضها منفردا، لكنه لم يبلغ نسبة الحسم، ما أضاع على كتلة اليمين 85 ألف صوت، ما يساوي مقعدين ونصف المقعد في الكنيست. وضمن محاولات نتنياهو ثني أحزاب يمينية صغيرة عن خوض الانتخابات وتشتيت أصوات الناخبين اليمينين، تمكن قبل انتخابات سبتمبر من إغراء زعيم حزب "زيهوت" موشيه فيغلين، بالانسحاب من الانتخابات مقابل منحه منصبا وزاريا، لكن فيغلن أعلن مؤخرا أنه لن يخوض الانتخابات المقررة في مارس المقبل. ويخشى نتنياهو أن يؤدي تشتت أصوات الناخبين على أحزاب لن تتجاوز نسبة الحسم إلى إضعاف كتلة اليمين، لصالح منافسه غانتس. تقدم غير حاسم للوسط - يسار عدة استطلاعات للرأي تظهر إمكانية اتساع الفجوة بين كتلة اليمين بزعامة الليكود، وكتلة الوسط-يسار بزعامة "أزرق-أبيض"، إضافة للقائمة المشتركة (الأحزاب العربية) لصالح الوسط-يسار. صحيفة "جلوبس" الإسرائيلية، جمعت نتائج خمسة استطلاعات رأي أعدتها كل من "القناة 13" و"القناة 12" وموقع "واللا" الإخباري، وصحيفتا "معاريف" و"يسرائيل هيوم" بين 10 و13 ديسمبر الجاري. وأظهرت الاستطلاعات معدل توزيع المقاعد فيها إمكانية حصول "أزرق-أبيض" على 36 مقعدا (33 في الانتخابات السابقة)، والليكود على 32 مقعدا (دون تغيير). وإجمالا، ستحصل كتلة الوسط يسار على 58 مقعدا (57 حاليا)، مقابل 53 مقعدا لكتلة اليمين (55 حاليا)، وهذه النتيجة قد لا تحل الأزمة السياسية التي دفعت إسرائيل إلى ثلاث جولات انتخابية خلال عام، لبقاء أفيغدور ليبرمان بثمانية أو تسعة مقاعد، هو الشخصية المحورية التي رفضت الانضمام لأيّ من المعسكرين، ما تسبب بفشلهما في تشكيل الحكومة ثلاث مرات متتالية. نتنياهو بأضعف حالاته المختص في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور، يرى أن نتنياهو "في أسوأ حالاته" في ظل كل التحديات التي يواجهها. وفي حديث للأناضول، يقول منصور، إن مجرد طرح فكرة حصول نتنياهو على عفو (رئاسي بعد محاكمته وإدانته، أو عبر صفقة مع النيابة العامة قبل الحكم عليه)، مقابل خروجه من الحياة السياسية، مؤشر واضح على عمق الأزمة التي يواجهها. ويلفت منصور إلى أن كل ما يقوم به نتنياهو من مناورات حاليا تهدف إلى تحسين وضعه من أجل الحصول على صفقة "مشرفة" فيما يخص وضعه القضائي، لضمان خروجه من أزمته دون السجن في حالة إدانته. وتوقع أن تأتي الانتخابات بتراجع كبير لنتنياهو، مشيرا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تجنّب ذكر نتنياهو في خطاب ألقاه مؤخرا أمام قادة المنظمات اليهودية في الولاياتالمتحدة. واعتبر منصور ذلك مؤشرا على أن الإدارة الأميركية لم تعد ترى في نتنياهو شريكا مستقبليا، في ظل كل التحديات التي قد تخرجه من الحياة السياسية، وربما تقوده إلى السجن. *الأناضول