علمت "الصحيفة" أن الحديث عن زيارة مرتقبة للملك محمد السادس إلى مصر خلال الأسابيع القليلة لمقبلة "غير دقيق". وحسب مصادر ديبلوماسية مصرية، فلا وجود لأي زيارة مرتقبة للملك محمد السادس إلى مصر، وليس هناك إعداد لأي نوع من الزيارات أكانت خاصة أو في إطار رسمي. المصادر الديبلوماسية المصرية أكدت ل"الصحيفة"، أن "التعاون المصري المغربي يسير في الاتجاه الصحيح، ونتمنى هذه الزيارة أن تكون في أقرب فرصة، لكنها غير مبرمج إلى حدود اليوم". وكانت الرسالة الخطية التي بعث بها الملك محمد السادس للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بتاريخ 22 نونبر الماضي، والتي سلمها وزير الخارجية، والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة إلى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قد فتحت باب الحديث عن زيارة مرتقبة للملك محمد السادس إلى مصر خصوصا وأن العلاقة بين البلدين بقيت "جامدة" منذ انقلاب 2013 الذي قاده عبد الفتاح السيسي على الرئيس المصري المنتخب، الراحل محمد مرسي. حملت الرسالة التي بعثها الملك محمد السادس إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، الرغبة في "إحداث قفزة نوعية في الشراكة بين المغرب ومصر في أبعادها الإنسانية والسياسية والتنموية"، وهو ما يعني ضمنيا أن العلاقات بين البلدين تعرف فتورا في الوقت الراهن. ومرت العلاقة بين المملكة المغربية، والجمهورية العربية المصريات بالكثير من المطبات بعد أن حوَّل الإعلام المصري المغربَ في العديد من المرات إلى "قنطرة" لتصفية حسابات النظام العسكري مع جماعة الإخوان المسلمين، خاصة عبر برامج "التوك شو" التي ربط مذيعوها وضيوفها بين المملكة وبين الفكر الإخواني بشكل غريب جعلهم محط سخرية في العديد من المرات. ففي يوليوز من سنة 2014، وعقب رسالة مصورة وجهها خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" للمغاربة، خرجت أماني الخياط الإعلامية بقناة "أون تي في"، المملوكة آنذاك لرجل الأعمال المقرب من النظام العسكري، نجيب سويرس، لتهاجم الملك محمد السادس بشكل مباشر قائلا إنه "دخل في صفقة مع الإخوان وسلمهم الحكومة بعد أن تابع ثروات الربيع العربي". لكن المذيعة التي اضطرت للاعتذار فيما بعد، لم تقف عند هذا الحد، فبعد أن وصفت موقف المغرب ب"الملتبس"، قالت إن من يدفع ثمن "صفقة الملك والإخوان" هو الشارع، لتمضي بعيدا في تهجمها على المغاربة حينما أشارت إلى أنهم من أكثر الشعوب "المصابة بالإيدز" وقالت إن الاقتصاد المغربي "قائم على الدعارة". لكن هذا الهجوم لم يكن الأخير، ففي شتنبر من العام نفسه، استضافت الإعلامية بقناة "صدى البلد"، رولا خرسا، الممثل المعروف يوسف شعبان، الذي لم يدخل جهدا في الهجوم على الإخوان المسلمين، لكنه في جزء من حديثه وعندما كان يتحدث عن حسن البنا مؤسس الجماعة، أقحم المغرب في حديثه بشكل مثير للاستغراب، عندما أورد أن الرجل "يهودي مغربي متخفٍ"، مضيفا أن 8 من أصل كل 10 مغاربة يعتنقون الديانة اليهودية، رابطا الأمر بخدمة المصالح الصهيونية. ومع تكرار مثل هذه الخرجات، فاجأت القناة الأولى المغربية المغاربة والمصريين على حد سواء، في نشرتها المسائية لفاتح يناير 2015، عندما عرضت تقريرا وصف لأول مرة ما جرى في مصر بأنه "انقلاب عسكري نفذه المشير عبد الفتاح السيسي"، موردا أن الجيش "عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي وعطل العمل بالدستور"، بل إن تصريحا نقله التقرير اعتبر أن "الانقلاب أجهض مسلسل الانتقال الديمقراطي في مصر". وتلقفت السلطات المصرية الرسالة بسرعة، في الوقت الذي حاولت فيه وسائل الإعلام في مصر تلطيف الأجواء ووصف ما جرى بأنه مجرد خطأ صادر عن إدارة القناة المغربية الأولى، وهو الأمر الذي لم يلبث أن دُحض بعدما عرضت القناة الثانية تقريرا مشابها على إحدى نشراتها الإخبارية، تأكيدا على أن الأمر يتعلق ب"غضب مغربي رسمي". "مزاحمة" على أبواب إفريقيا كان المغرب يعلم جيدا أنه مجبر على مواجهة العديد من العراقيل الموضوعة في طريق عودته للاتحاد الإفريقي، حتى يُتم الرؤية الاستراتيجية الجديدة للمملكة تجاه القارة السمراء، لذلك بدأ العمل على هذه العودة قبل شهور من انعقاد القمة الثامنة والعشرين للاتحاد بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا أواخر يناير من سنة 2017، لكنه رغم ذلك سيواجه مفاجآت اللحظة الأخيرة، والتي كان إحداها الموقف المصري الغامض من هذه العودة. وعلمت القاهرة أن التوجه المغربي الجديد الذي يقوده الملك محمد السادس تجاه القارة السمراء، صار يزاحمها على موقعها السياسي التاريخي بعدما استطاع التفوق عليها اقتصاديا، هذا بالإضافة إلى تقاربها مع الجزائر التي أعلنت رسميا معارضتها لعودة المغرب إلى مقعده الذي غادره سنة 1984، وهو تقارب فرضته المصالح الاقتصادية بين البلدين، وعلى رأسها الاتفاق حول تزويد مصر بالغاز الجزائري. وبعد أن أعلن المغرب قبل توجه الملك إلى إثيوبيا أنه ضمن موافقة 42 بلدا على عودته إلى الاتحاد، اتضح أن عبد الفتاح السيسي اختار "المراوغة" في اللحظات الأخيرة، إذ بعد أن كان السفير المصري بالرباط إيهاب جمال الدين، قد أعلن في يوليوز من سنة 2016، "تأييد بلاده الكامل" لعودة المغرب، اختارت مصر في كواليس القمة اللعب على حبلي "الاعتراض والحياد". واستطاعت المملكة رغم ذلك الحصول على "الدعم اللامشروط" ل39 بلدا، وعلى دعم الرئيس الدوري للاتحاد الإفريقي، ألفا كوندي، رئيس جمهورية غينيا، ما مهد الطريق أمام المغرب لاسترداد مقعده بسلاسة خلال القمة ذاتها، لتعلن مصر عن طريق سفيرها في الرباط "ترحيبها" بهذه العودة لكن بعد انتهاء القمة، وهو ترحيب لم يكن كافيا لتجنيب العلاقات بين المغربية المصرية مزيدا من البرود. ليبيا.. بين الصخيراتوالقاهرة أضحت ليبيا الغارقة في وحل الانقسام الذي تغذيه الجماعات المسلحة منذ 2011، فضاء آخر لصدام المصالح بين المغرب ومصر، ففي الوقت الذي تدعم فيه المملكة حكومة الوفاق الوطني المنبثقة عن اتفاق الصخيرات سنة 2015، نبذا لمزيد من الأزمات في المنطقة المغاربية، تدعم مصر السيسي قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الراغب في فرض سطوة الجيش على امتداد التراب الليبي. ولعب المغرب دورا واضحا في دعم الوفاق الوطني الليبي، انطلاقا من احتضانه للقاء أطراف الصراع سنة 2015، الذي حظي برعاية الأممالمتحدة بهدف العمل على إنهاء الحرب الأهلية، والذي أعلن ميلاد المؤسسات السياسية الليبية المعترف بها دوليا إلى غاية اليوم، ووصولا إلى احتضان الرباط المنتدى الليبي الدولي الاقتصادي الاستثماري قبل أيام. وتزامنا مع تأكيد الملك محمد السادس على رغبته الصريحة في بناء تكتل مغاربي يشمل ليبيا، والذي جدده خلال خطاب الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء مؤخرا، يزداد تورط مصر في دعم الانقسام الليبي، والذي فضحته عدة جهات على رأسها المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، الذي وصف دعم القاهرة لحفتر ب"التدخل السافر في الشأن الليبي"، ففي غشت الماضي، وعقب الكشف عن وجود أسلحة وذخيرة مصدرها مصر رفقة مقاتلي قوات حفتر، اتهم المجلس مصر ب"العمل على إرباك المشهد في ليبيا، وبانتهاك قرارات مجلس الأمن". ولا تزال مصر مصرة على عدم الاعتراف بمخرجات اتفاق المغرب الذي أشرف عليه المبعوث الأممي مارتن كوبلر، والذي يقسم السلطة السياسية في ليبيا بين حكومة الوفاق الوطني والمجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، إذ لا تعترف إلا بهذا الأخير باعتباره مصدر "التفويض" الممنوح لحفتر، الشيء الذي ساهم في إغراق البلد في مستنقع لا نهاية له من الدماء والفوضى، وشكل حجرة عثرة جديدة أمام إعادة إحياء الاتحاد المغاربي. كل هذه الملفات وأخرى جعلت العلاقة بين القاهرةوالرباط، تمر من "مطبات" كثيرة، و"برود" طويل، وأحيانا صراعات داخل كواليس الاتحاد الإفريقي على الكثير من الملفات، بحكم التدافع على ريادة إفريقيا بين مصر والمغرب من جهة، وحلف جنوب إفريقيا والجزائر ونيجيريا من جهة أخرى، وكل يلعب أوراقه الرابحة لذلك. لذا، كانت الرسالة الملكية التي توصل بها عبد الفتاح السيسي، وحملها وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، دلالاتها في ضرفية إقليمية متغيرة ربما حتمت على الطرفين إعادة ترتيب أوراقهما لصياغة علاقة فيها من التعاون أكثر من التجاذب المعلن والغير معلن.